نهيق حمار
نهيق حمار –
سعد محسن خليل
في زاوية من زوايا احد الاصطبلات وقف حمارُ ينهق باعلى صوته امام عدد من الحمير المستضعفين معلنا التمرد والعصيان على من اسماهم الظالمين من الذين سلخوا جلده ضربا وتنكيلا حتى اعلن التمرد على الواقع الذي يعيشه في ثورته التي اسماها ثورة الربيع العربي فاطلق صرخته الممنوعة من الصرف صرخة التمرد على الواقع الذي يعيشه صرخة الرفض الحمارية وهي في كل الاحوال صرخة تعبر عن رفضه وتمرده على الواقع المزري الذي يعيشه وسط عبودية جعلته اسير حالة الذل الذي يلازم حياته منذ ان حلت عليه اللعنة الالهية يوم وصف صوته بانكر الاصوات من بين اصوات الخليقة فبات يعيش حياة الذل والخنوع والخشوع والعبودية وسط عالم متذبذب تسكنه شخصيات اكثر قبحا من الحمير علا صوتها امام المنابر والقنوات الفضائية فباتت اصواتها اكثر بشاعة من اصوات ” ابو صابر ” و لم يشهد الحمار في حياته تعاطفا انسانيا مع المحيط الذي يعيش فيه .. باستثناء مجاميع من البشر تسكن اقليم كردستان تخطت مرحلة الانانية فشكلت حزبا اسمته ” حزب الحمير ” في محاولة منها لرد الشأن للحمير فرأتهم من الحيوانات الاكثر مقبولية وجمالية حتى عدت نهيق الحمار اشبه بسمفونية موسيقية اكثر جمالية من سمفونيات بتهوفن وموزارت وهي محاولة قامت بها هذه المجموعة البشرية للتعاطف مع عائلة الحمير بعد حالة الذل والاحتقار التي تعرضوا لها على مر السنين يوم كان الحمير مضطهدين مطاردين يعيشون في البراري و يعملون في احقر المهن بهدوء وسكينة وان تمرد حمار منهم على ما يصيبه من اذى كان السوط علاجا له لتحسين مساره باتجاه تقبل مزيدا من الذل والعبودية والخنوع والخضوع لارادة الظالمين حتى يقال انه في زمن مضى يوم كان العراق يعيش عصر سيطرة القوى الغاشمة وانتشار اجهزة القمع في عقود الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي كان اغلب الحمير سجناء في معتقلات سرية تابعة لدوائر حكومية سميت في حينها اسطبلات امانة العاصمة يعمل داخلها الحمير جنبا الى جنب مع اخوالهم البغال بنظام السخرة لجر العربات المخصصة لنقل الازبال داخل مدينة بغداد وكان المسؤول عنهم شخصاً لقب في حينها بامين العاصمة ويقال ان الامين الذي تولى منصب الامانة خلال فترة عقد الاربعينات عاقب بغلا وحمارا لتجاوزهما حدود الاداب بعد ان رفع الطبيب البيطري الذي كان حتما يعمل ضمن مسار الاجهزة الامنية كمخبر سري رفع تقريرا الى امين العاصمة يعلمه عن معركة حصلت بين الحيوانات في معتقل الامانة ” عفوا في اسطبل الامانة ” واسفرت المعركة عن اصابة سائسها بضربة في بطنه نقل على اثرها الى المستشفى فعلق امين العاصمة على تقرير الطبيب تعليقا مرحا يفيض بالنكته البارعة قائلا ” الحمد لله على سلامة السايس “جبار الاعور ” ويغرم البغل والزمال بقطع العليج ” العلف” عنهما لمدة ثلاثة أيام حتى يتأدبا من الآن فصاعدا ويكونا عبرة لغيرهما من الحيوانات وليفهم كل من تسول له نفسه الخربطة إن الحكومة ساهرة وفاكة ” فاتحة” عينها على الزغيرة والجبيرة ولا يتصورا الدنيه عفترة كلمن بكيفه.. ويمنع الشقة ” المزاح” بين الحيوانات بالشغل وأثناء الراحة منعاً باتاً بأمري وتعلق قطعة “لوحة” بذلك بالاسطبل.. ويربط الطبيب البيطري بين الزمال والبغل حتى إشعار آخر حتى يتأكد الطبيب ” وهو الأب المسؤول عن أبنائه ” أن البغل والحمار قد صفت قلوبهم وما بقت بينهم عداوة تؤدي إلى القتل والمقتول” وختم الامين تعليقه قائلا ” على مدير الإدارة في أمانة العاصمة أن يكتب إلى معالي وزير الداخلية ليفاتح الجهات المسؤولة لنقلي فوراً إلى أي وظيفة ما عدا أمانة العاصمة لأن ما عندي خلك للزمايل والبغال ” إحنا ويا الأوادم هلـّه هلـّه عاد ويه الحواوين”.