سلوكنا اليومي ومواجهة كوفيد 19
سلوكنا اليومي ومواجهة كوفيد 19
كتب: سمير المعيني
لقد عرفت البشرية ولا زالت منذ فجرها الأول ظهور وانتشار الأمراض والأوبئة المميتة التي خلفت ضحايا بالمئات او الآلاف او حتى الملايين.
وما جرت العادة عليه ان بداية ظهور هذه الأوبئة يكون شديد الخطورة بسبب مجهولية الوباء الجديد وقلة المعلومات عنه، مما يصعب ذلك من طرق مواجهته.
الا ان التاريخ الصحي يبين لنا ان معظم (ان لم نقل) كل الأوبئة والأمراض التي عانت منها البشرية كان سببها عامل بشري، اي ان سبب حدوث ذلك المرض او الوباء يرجع إلى فعل بشري كسوء تعامل مع البيئة البشرية او الطبيعية او الحيوانية، كما اثبت لنا التاريخ الطبي والصحي أيضا ان طرق الوقاية والمواجهة غالبا ما تكون بشرية بامتياز.
لقد شهدنا في سنوات قليلة مضت ظهور لأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير ومرض نقص المناعة المكتسب (السيدا) وكذلك انتشار كوفيد 19 هذه الأيام وغيرها.
وعرفنا ان سبب هذه الأوبئة الفتاكة يرجع إلى عامل بشري ينتج من خلال سوء تعامل ما بين الإنسان والحيوان كما في أنفلونزا الطيور والخنازير، او يرجع إلى سلوك غير صحي بالنسبة إلى مرض السيدا، او يرجع إلى تعامل غير صحي مع الحيوان او تناول الإنسان للحوم حيوانات برية او إلى تلاعب جيني وتطوير لبعض الفيروسات والجراثيم كما عليه الحال من تضارب للمعلومات فيما يخص ظهور كوفيد 19.
كما عرفنا وعشنا طرق مواجهة هذه الأمراض التي تعتمد بشكل رئيسي على سلوكياتنا اليومية وعلى طرق تفاعلنا مع بعضنا الأخر ومع البيئة المحيطة، اي ان طرق المواجهة تعتمد على مدى الوعي الصحي للمجتمعات والأفراد، فكلما كان لدينا وعيا صحيا تجاه هذه الأمراض وكيفية الوقاية منها كلما تجاوزنا المحنة بوقت قصير وبخسارة اقل والعكس صحيح.
لكن غالبا ما توصف الدول النامية او دول العالم الثالث-ونحن جزء من هذا العالم- بكونها دول او مجتمعات فقيرة توعويا او تعاني من قلة الوعي او انعدامه في بعض البيئات الاجتماعية.
لهذه المجتمعات ثقافة تضم مجموعة من العادات والتقاليد بعضها جيد والبعض الأخر له تأثير في حدوث الأمراض وفي سرعة انتشارها فمثلا هناك عادات مرتبطة بالتغذية كتناول الطعام من دون غسل او طهي جيد او بتناول الأطعمة المكشوفة مما يجعل من هذه الأطعمة مجالا للتلوث بمسببات المرض وهناك ما يتعلق بإهمال النظافة الشخصية او اللجوء إلى إتباع بعض الأساليب غير الصحية او التي تشكل خطرا على صحة الفرد كالاستحمام بمياه الأنهر او البحيرات الملوثة او إهمال نظافة الملابس او ما يتعلق بإهمال نظافة المحيط او المسكن مما يجعله بيئة صالحة وخصبة لاجتذاب البعوض والذباب والفئران وتكاثرها وهذا ما يزيد من إمكانات انتشار الأوبئة والأمراض. إضافة إلى بعض العادات المتعلقة بعلاج المرض كاعتماد العلاج عند الأشخاص غير المهنيين طبياً. وهذه العادات معظمها ناتج عن الجهل او ضعف الوعي الصحي.
وهناك ما يتعلق بطرق التحية وآداب المائدة وما يتعلق بالذوق العام كالتحية بالمصافحة والتقبيل والأكل بالأيدي والعطس بدون استخدام منديل والبصق في الشارع او رمي المخلفات الشخصية من مناديل او ورق او أدوات شخصية في الأماكن العامة وغيرها الكثير، وهذه كلها عوامل مساعدة على انتشار الأمراض والأوبئة.
وعودة على بدء، لاحظنا ان العالم باسره قد عانى من انتشار كوفيد 19 ورغم كل التطور العلمي في المجالات كافة لم يستطع اتقاء شر هذا القاتل الصامت، بل ان الوسيلة الوحيدة للمواجهة التي اعترف بها العالم اجمع هي المواجهة الثقافية، اي إتباع مجموعة من السلوكيات اليومية وتغيير نمط العادات المتوارثة التي تساعد على انتشار هذا المرض والجميع على علم بها من تباعد اجتماعي ونظافة شخصية واستخدام المطهرات بشكل يومي وكيفية التعامل عند العطاس او الملامسة او ما يتعلق بضرورة ارتداء القفازات والكمامات وغيرها من الأمور التي لم تكن ضمن عاداتنا اليومية لكن ظروف الوضع الصحي الراهنة فرضتها علينا كآلية للوقاية من الإصابة بكوفيد 19 ولمنع انتشاره.
ختاما نقول، على الرغم من ان الإنسان مدني بطبعه او اجتماعي يميل إلى التفاعل مع الآخرين والاختلاط بهم وتوطيد علاقاته معهم وما يترتب على ذلك من تفاعل مباشر يومي من لقاءات وتزاور وحضور مناسبات مختلفة تفرضها طبيعته الاجتماعية من جهة وكالتزام بين طرفي العلاقة مع الآخرين من جهة ثانية، كذلك على الرغم من ان تغيير العادات اليومية ليست بالشيء اليسير ولكنه بنفس الوقت ليست أمرا يصعب تحقيقه.
وعليه علينا ان نتكيف مع طريقة الحياة الجديدة التي تنادي بها المنظمات الصحية العالمية والوطنية وان نسعى جاهدين لتغيير طرق تفاعلنا وتعاملنا اليومي، متأملين ومتيقنين بان هذا الوضع مؤقت وسينجلي بإذن الله هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب ان نلتزم ونصبر ونطبق الشروط الصحية المنصوص عليها حفاظا على أنفسنا وعلى أسرنا وعلى مجتمعنا، لان التزامنا بالشروط الصحية من واجباتنا الإنسانية ومن إحساسنا بالمواطنة وممارستنا لها.