اللون الاسود والابيض والتحليل النفسي     

كتبت:د. دعاء يوسف

في عالم غرق بالألوان وتدرجاتها هناك من لايزال يحب اللونين الأسود والابيض فاذا اقتربنا منهم وتعمقنا في شخصياتهم سنرى ان التحليل النفسي لاولئك الذين لايتذوقوا الالوان الا بسوادها وبياضها هم شخصيات حدية جدا وبالعادة الشخصيه الحديه والواضحه ليست من الصفات المرغوبه في مجتمع كثر فيه تلون البيوت السيارات الملابس وحتى تلون الشخصيات كما ينبغي ان يكون الفرد وكما البيئه التي يسكنها وكما الناس الذين يخالطهم فالتأقلم شيء والتلون شيء آخر مختلف تماما  

من ناحية الذائقه البصريه قد تبدو الحياة  مكونة من لونين فقط؛ لا يغشاها إلا الأبيض، ولا يسودها إلا الأسود، ربما حينها كانت منزوعة من الفرح، مفرّغة من البهجة، ولكانت في بياضها الباهر تُعشي العين، وفي حلكة سوادها تُعميها،

تماما هو الأمر ذاته من الناحية النفسيه فبياض الشخصيات يغشي ابصارنا بأن هناك السيء في هذه الحياة بينما سوادها يعمي قلوبنا ويجعلنا متشائمين دوما

بين الاسود والابيض هناك عشرات بل مئات الدرجات اللونيه

وبين الصدق والكذب هناك التبريرات الاسباب الظروف الكذب الابيض

عند امتلاك عقلية اللونين الأبيض والأسود فإنه يصبح من السهل أن ينتقل المرء بلحظات من حالة السعادة إلى حالة الاكتئاب كونه مقتنع بضرورة إما الحصول على كل شيء، أو لا شيئ

وهو يقوم، وبشكل لا إرادي بتضخيم الأحداث بحيث يراها إما في غاية الروعة أو في غاية السوء. الأمر الذي يظهر وبوضوح ابتعاد المرء عن الواقع من خلال نمط التفكير هذا، وهنا تكمن الحيلة النفسيه في الهروب من الواقع المليء بلزيف والتلون

عكس ذلك عليه تقبل الحياة على ماهي عليها ولا يسعى جاهدا لان يصحح اخطاء غيره او على الاقل محيطه لان الحقائق عادة ماتكون موجعه على. الرغم من كونها انتقادات بناءه فطبيعة الانسان يرتاح لمن يخبره أنه هو الافضل على الاطلاق وكل مايقوم به هو الصواب

فعلى الشخص الذي حدد للحياة لونين وللاشخاص لونين وللمواقف لونين ان لا ينتظر معجزة فلن يأتي أحدهم ويقول بملئ فمه أنني أسود والامر المعاكس ان الشخص الابيض القلب والروح ليس بحاجو لاخبار الاخرين عن نفسه فهو واضح المعالم

فقلة من الاشخاص واضحي المبدئ يتصرفون وفق منهج ( يا ابيض يا اسود ) هنا ترفع الاقلام فلا محاولة للسجال حول انصاف الحلول وهم الاكثر تعباً في المجتمع أو ربما الاكثر رواداً داخل العيادات النفسيه

فهي شخصية تتمع بدرجة ذكاء عالي وحساسيه مفرطه على الرغم من قوتها لأن الانسان لايصبح صريح وواضح الا بعد ان تستند هاتان الصفتان على جدار الشجاعه وان كان هذا النموذج نادر الوجود في مجتمعاتنا الا ان ندرته لا تنفي صحته

فمن تلمح في نبرته خيارا الاسود والابيض يعني أنه يكون او لا يكون يقل خيرا او يصمت يتقن عمله او لا يقوم به أساسا يتدخل في مشكلة فيحلها او انه لا يدخل بها

يشهد بقول الحق او لا يشهد لان موقفه سلاح ذو حدين والأهم من ذلك انه لا ينطق سوى بالحق هذا ما انارنا به امير المؤمنين كرم الله وجهه ( لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه ) ويقصد بالطريق هنا هو السلوك الفردي او الجماعي والسير في وجه الرياح ضد الرياح والرياح المراد تفسيرها هنا هو التلون الشخصي الذي غير الكثير من ملامح المجتمع .