السفيـــرة رومانوسكي.. ضابطة مخابرات من الطراز الأول!!

كتب: حامد شهاب…

ربما كانت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العراق ( ألينا  رومانوسكي )، التي تولت مهام عملها كسفيرة في العراق في كانون الأول 2021 ، أقوى شخصية سياسية وأمنية أمريكية ، أتقنت مهمتها كسفيرة فوق العادة، بل هي ربما تتجاوز في مهمتها الحالية ودرجة التاثيـر ، حتى مهام (بريت ماكغورك)، الممثل الشخصي للرئيس الامريكي جو بايدن ، والذي يقوم بجولات مكوكية وزيارات للعراق بين آونة وأخرى!!

وتعد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ، أن السفيرة ألينا رومانوسكي كانت عند حسن ظن إختيارهم لهذا المنصب، الذي يمثل الوجه الأول للسياسة الأمريكية في العراق مؤخرا!!

رومانوسكي حين تلتقي الآن بأي مسؤول عراقي رفيع وفي أعلى الهرم ، تؤكد له أننا نسمع الكثير من شكاوى سياسييكم التابعين لأحزابكم عن أننا لانحترم سيادة العراق، ونود التأكيد لكم أن الأمريكان كانوا يتمنون لو أنكم حافظتم على سيادة بلدكم ، ولم تتركوا لكل من هب ودب أن يعبث بمقداراته، وبخاصة من دول تدينون لها بالولاء، وهي أكثر إختراقا لسيادة العراق وإستهانة بمقدرات شعبه..وفي عدم مقدرة البعض منكم في رفع حاجبكم بوجهها، عندما يكون تدخلها فاضحا ، وعلى نطاق واسع وغير مسؤول !!

وهي تبلغ أي من يعدون أنفسهم من هرم السلطة أن الأمريكان يعرفون عنكم كل شاردة وواردة ، وكيف تعبر الأمور من تحت أقدامكم ، دون أن تحركوا ساكنا لوقف التجاوزات على بلدكم ، ولا تعيرون إهتماما لآلام شعبكم أو توفرون له أبسط إحتياجاته من الأمن والكهرباء والخدمات، ومن عيش آمن يرتقي الى حجم ثروات بلدكم، التي تذهب لجيوب الأغراب ، وهي بعشرات المليارات، وعصابات الجريمة وعمليات سرقة الأموال، تصول وتجول منذ سنوات طويلة، وتهرب الأموال وتستولي على أموال دولتكم ، حتى عد كثير منكم ( مليارديرية) ، بل وبعضهم ( يتآمر) عليكم ومن أقرب مواليكم، وتتركونه على هواه، ويكاد العراقيون يصابون بالأهوال من حجم مايتم سرقته منهم من أموال ضخمة ، وفي وضح النهار!!

بل تؤكد لهم رومانوسكي في أغلب اللقاءات مع قيادات عراقية عليا ، وحتى (وسطية) حرص الولايات المتحدة على أن يكون هرم الدولة من رجالات الدولة، ولا يرتضي لنفسه أي مسؤول كان، أن يكون (تابعا) لهذه الجهة الدولية أو تلك، وينفذ خطط الآخرين عن طيب خاطر، بل أن الإدارة الأمريكية ترفض حتى إتهام الآخرين لكم بأنكم (عملاء) للولايات المتحدة، فنحن لانريدكم أن تكونوا (عملاء) لنا بل (أصدقاء) وتقدرون حقا مصلحة بلدكم ومصلحة الولايات المتحدة ، التي يكون همها الأول المحافظة على نظامكم السياسي، وهي تخشى أن تنقلب الطاولة على رؤوسكم ، عندما تصل الأمور بشعبكم حدا لم يعد سكوته عما تتعاملون به مع شعبكم  ، أمرا ممكنا.. وهي تتمنى لو حافظتم على سيادة بلدكم ، وبنيتم عراقا ديمقراطيا، يكون فيه القانون وتطبيق العدالة هو ما يتوافق مع الدستور الذي وضعتموه، وبمساعدتنا، وكنتم تخرقونه عشرات المرات!!

والسفيرة الأمريكية فوق العادة الينا رومانوسكي ، مثلما أشرنا، هي ليست بمنصب سفيرة فقط ، بل يكون إرتباطها الأساس بالبيت الأبيض ، وهي من تقدم للرئيس الأمريكي ومكتبه تحديدا التقارير الهامة جدا ، شبه اليومية ، عن كل ماعملته في العراق وما تحدثت به، وما حذرت منه ، أكثر من إرتباطها بوزارة الخارجية الامريكية والوزير بلنكن، بل أن الأخير ربما لايعلم الكثير مما تعرفه رومانوسكي عن العراق وتفكير قياداته وإرتباطاتها بالدول الأقليمية.

لم يكن سفراء الولايات المتحدة السابقون بدرجة الحزم والجدية التي إتبعتها السفيرة رومونوسكي مع القيادات العراقية العليا، وكان بعض أؤلئك السفراء يبدون وكأنهم يمارسون أعمالا (كلاسيكية) وليس ممثلو دولة كبرى ، هي من أقامت نظاما سياسيا في العراق، يفترض أنه قائم على الديمقراطية، وكانت إدارة البيت الابيض تشكو من عدم قدرة سفرائها على إيصال رسائلها بقوة وتنفيذ صارم ، عندما يقابل أؤلئك السفراء ساسة عراقيين كبارا، لكن رومانوسكي خرجت عن تلك القاعدة، وهي تمارس مهامها بحزم ، بل وتستخدم أحيانا سياسة (العين الحمراء) إن تطلب الموقف ذلك ، وترفض أن يتم تسفيه ما تطلب تطبيقه من كبار المسؤولين العراقيين ، أو أن يتم (تجاهل) مطالب بلدها، وهي (تحاسب) دون أن تلتفت الى حجم هذا المسؤول أو موقعه في هرم السلطة، وهم الآن ينفذون توصياتها عن طيب خاطر!!

السفيرة رومانوسكي ..وإتقان المهمة

السفيرة رومانوسكي ، وهي الشخصية الشبابية القوية التي تمتلك من مؤهلات الجمال واللياقة في بداية إنطلاقتها ، بعد تخرجها من إحدى الجامعات الامريكية ، واللغات التي أتقنتها، أهلتها لأن تدخل عالم المخابرات من أوسع أبوابه ، كضابطة مخابرات ، وبخاصة في مديرية مهمة ، كالخدمة الخارجية ، التي هي من أعمدة عمل وكالة المخابرات الامريكية ، لأكثر من عشر سنوات!!

كان ولوج عالم المخابرات المركزية الأمريكية ( السي آي أي ) ، هو من سهل تلك المهمة لرومانوسكي ، لأن تجيد فنون العمل الإستخباري والدبلومسي ، بعد أن  دخلت فيها الكثير من دورات المخابرات في مهام جمع المعلومات وتحليلها ، ودراسة أساليب الإختراق وفنونه ، ومن ثم العمل في مراكز بحثية مخابراتية ، للاطلاع على تاريخ منطقة الشرق الاوسط، ودخلت دورات دبلوماسية كثيرة ، مكنتها من أن تجيد مهمة عملها الدبلوماسي ، وهي التي تجيد ثلاث لغات (فرنسية وعربية وحتى عبرية ) ، إضافة للغتها الأصلية الانكليزية ، عندما تحين لها الفرصة للعمل في وزارة الخارجية الأمريكية ، أو عندما عملت في وزارة الدفاع الامريكية البنتاغون، التي لايمكن لها أن تقبل في صفوفها إلا كبار الضباط المحترفين في مهام الإختراق والتجنيد واقامة العلاقات السرية التي تعود بنفع كبير لسياسة بلادها ، حتى في مهام عمليات الموافقة على تسليح الدول ، وفي إيجاد مبررات لأن توافق الولايات المتحدة على تسليح هذه الدولة او تلك، وبخاصة اذا ماتعهدت تلك الدول ، بأنها لن تستخدم هذا السلاح ضد إسرائيل أو تهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة!!

كانت رومانوسكي منذ بداية الثمانينات تعمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السي آي أي ، في  أقوى عهود تحكمها بمقدرات العالم، وراحت الإدارة الأمريكية تجند نساء من الطراز الأول في الثقافة والوعي ، وأن تكون على مستوى من الجمال وقوة الشخصية ، ما يسهل وصول الإدارة المريكية الى الأهداف الحيوية التي كانت تطمح بالوصول اليها، حيث تدرك أهمية تدريب ضابطات مخابرات كفوءات من الطراز الأول لمتابعة أهداف مهمة في دول الشرق الاوسط والدول العربية على وجه التحديد ، يسفر عنه الكثير من النتائج الإيجابية في قدرات الاختراق واقامة العلاقات مع كبار الشخصيات السياسية، أو على الاقل في الواجهات التي لديها أذرع مهمة في السلطة او تلك التي لها أدوار مستقبلية ، تؤهلها الادارة الامريكية لتكون واجهات صديقة لها ، عندما تحين الفرصة للاختراق في أية دولة ، تود الولايات المتحدة النفاذ الى مسؤوليها، وصناع القرار في اية دولة من دول الشرق الأدنى او الأوسط على وجه التحديد!!

تشكيك بقدرات منتسبي وزارات الخارجية

ويشكو العاملون في وزارات الخارجية على الدوام، من أن ضباط المخابرات في الأغلب ، هم من لهم القدح المعلى في المناصب والمهام الدبلوماسية في سفارات الدول، وبخاصة العاملون منهم في منطقة الشرق الاوسط والدول الكبرى وذات الأهمية الستراتيجية، بينما لايتم  تكليف العاملين بوزارات الخارجية الا بإعداد محدودة من تلك الوظائف!!

والأمر ينطبق حتى على دول كبرى كالولايات المتحدة، عند تكليف سفراء او درجات دبلوماسية عليا كالسكرتير الأول والثاني للعمل في سفارات تلك الدول!!

في حين يرى ضباط المخابرات أنهم هم الأولى بتكليفهم بمهام الوظائف الدبلوماسية أو تلك المهام التي تستخدم أساليب ( الغطاء ) في أعمال ذات طبيعة تجارية أو ثقافية او تحت غطاء منظمات إنسانية!!

ويتهم العاملون بدوائر وزارة الخارجية بأنهم في الأغلب يبحثون عن المناصب لأغراض الكسب المادي والوجاهة، إضافة الى أن مهامهم ( تقليدية) ويخشون الملاحقة من قبل أجهزة مخابرات الدولة التي يعملون فيها، في حين ينصب إهتمام ضباط المخابرات المكلفين بعمل دبلوماسي أنهم يسعون لتحقيق (الهدف الوطني) لبلدهم في الوصول بطريقة أسرع وأكثر دقة في الوصول الى الأهداف المتوخاة ، عندما يتم إيكال مهام كبرى لضباط مخابرات ، يعملون تحت أغطية دبلوماسية أو تجارية أو ثقافية أو منظمات دولية، وهم يمتلكون القدرة على تحقيق آمال دولتهم في تنتفيذ مهامها الوطنية وأمنها القومي بطريقة أكثر إقتدارا واكثر فاعلية!!

أطقم الخارجية الأمريكية.. نساء

وقد رأينا في السنوات الأخيرة ان أغلب أطقم وزارة الخارجية الامريكية والناطقات بإسمها ، أو العاملات في واجهاتها الخارجية ، هن من النساء ، وتوالت كل من مادلين أولبرايت ، وفي سنوات لاحقة هيلاري كلينتون ، لتكونا على رأس وزارة الخارجية الأمريكية ، وقد حققن في زمنهن أهداف وتوجهات السياسة الأمريكية على الوجه الاكمل، كما أن غوندليزا رايس قد عملت مستشارة الأمن القومي الأمريكي في عهد بوش الأب، وهي خبيرة مخابرات وأصبحت تجيد التنظير في ستراتيجات الأمن القومي الأمريكي من الطراز الأول.

في 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، ترشيح السفيرة الحالية لدى الكويت، ألينا رومانوسكي (67 عاما)، “سفيرة مفوضة فوق العادة إلى العراق“، بحسب بيان للبيت الأبيض، وقد أطلقت السفيرة الجديدة لدى بغداد، رومانوسكي، قبل وصولها إلى العراق، رسالة تحذيرية من إمكانية عودة ظهور “تنظيم الدولة” مرة أخرى في البلاد، وذلك خلال خطاب وجهته للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 5 مارس/آذار 2022. ، مشيرة الى إن “من أولويات عملها بعد توليها المنصب، تعزيز الاستقلال والمواطنة في العراق”، لافتة إلى أن “بغداد ستظل أولوية في السياسة الخارجية لواشنطن، وحجر زاوية للاستقرار الإقليمي ، مؤكدة أن “أحد العناصر المهمة في واجباتها سيتمثل في العمل مع الحكومة الجديدة في العراق”، ومبينة أن “الولايات المتحدة تواصل العمل مع شركائنا العراقيين فيما يسعون إلى تعزيز مؤسساتهم الديمقراطية، والحكم الفعال وسيادة القانون”.

واشارت رومانوسكي خلال قدومها الى بغداد الى أنه : “سيكون على رأس أولوياتنا في التعامل مع حكومة بغداد الجديدة، تعزيز استقلال العراق”، مشددة على أن “واشنطن ما زالت قلقة من عودة ظهور تنظيم الدولة في العراق ، وهي تعتزم الاستمرار في العمل مع قوات الأمن العراقية بشأن هذه القضية، مؤكدة أنها “مقتنعة في ظل إنتقال الولايات المتحدة إلى مهمة تقديم المشورة والمساعدة والتمكين، بمواصلة العمل مع قوات الأمن العراقية في قتالهم ضد تنظيم الدولة الإجرامي”.

عهد رومانوسكي يختلف عن سفراء أمريكا السابقين

أجل، فعهد السفيرة ررومانسكي ، لم يكن كسابقاتهم من سفراء ألولايات المتحدة بدءا من جون نگروپونتي (2004–2005) – أول منصب-سفير أثناء حرب الخليج الأولى بدءا من زلماي خليل زاد (2005 – مارس 2007) ، وريان كروكر (مارس 2007 – مارس 2009)، وكريستوفر هل (أبريل 2009 – أغسطس 2010) , وجيمس جفري (أغسطس 2010 – يونيو 2012) وروبرت بيكروفت (سبتمبر 2012 – يونيو 2014) وستوارت جونز (يونيو 2014 – 2016) و دوگلاس ألان سليمان (2016 – فبراير 2019)، وجوي هود (فبراير 2019 – يونيو 2019) – قائم بالأعمال ، وماثيو تولر (يونيو 2019 – 2022)، فأغلب هؤلاء لم يؤدوا المهام المطلوبة منهم على الوجه الأكمل، وتفاوتت توجهاتهم وقدرتهم على فرض وجهات نظرهم بشأن كيفية التعامل مع السياسة العراقية طيلة سنوات 2005 و 2032 ) ، وبعضهم حين يأتي للتحاور مع قيادات عراقية عليا ، لم يفهموا منهم بالضبط ماذا تريد الإدارة الأمريكية منهم، وبعضهم ربما يغط في نوم خلال المقابلات مع الساسة العرقيين، او أن تركيزهم على أحاديثهم ومطالبهم من الادارة الأمريكية لم يكن بالمستوى المطلوب!!

الولايات المتحدة واجهت في العراق (نكران الجميل)

لقد أدرك قادة السياسة الأمريكية مؤخرا أن ماقدمته الولايات المتحدة من دعم للعراق على كل المستويات لم يقابل بردود ومواقف إيجابية عراقية توازي حجم هذا الدعم الكبير، إن لم تكن الولايات المتحدة قد أدركت أخيرا أن الماء يسير من بين رجليها ، ولم يعد لها هذا التواجد المؤثر، وقد راحت إيران ، من وجهة نظر مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، تتحكم في كل شيء في العراق، وهي من تهيمن على سلطات القرار بأكملها!!

بل أنه من وجهة نظر محللين ومتابعين للشان العراقي، فأن رموز وشخوص الدولة العراقية تسير في الغالب وفق توجهات إيران وأهوائها، في وقت بلغت أحجام التجارة الإيرانية مع العرق مئات المليارات، وبخاصة ما إستحوذت عليه ايران من أموال ضخمة من العراق بمئات المليارات ، سهلها لها المتعاملون معها من القوى السياسية، في وقت تعاني الخزينة العراقية من فساد ضخم ومهول، انغمرت فيه مختلف نخب السلطة وكبار مسؤوليها، ولم يكن بمقدور أية حكومة عراقية السيطرة على حجم الفساد الكبير الذي نخر الخزينة العراقية ه على شعبهم، ما عرض حياة ملايين العراقيين الى فقر مدقع وعجز كبير في موازنات بلادهم التي لم ترى النور في أغلب الحكومات العراقية!!

كانت الإدارة الأمريكية تشكو في مرحلة مابعد الغزو الأمريكي للعراق ، وحتى عام 2005 بداية تنصيب ساسة عراقيين لحكم بلادهم، إن سفراءها لم يكونوا على مستوى الطموحات في فرض وجهات نظر الأدارة الأمريكية وفي تنفيذ ما كانت تخطط تلك الإدارة ، من أن فرص الإستثمار في العراق ينبغي أن تكون في المقام الأول للولايات المتحدة ، التي تعد نفسها، بأنها كان لها الفضل الأول في انها أسقطت النظام السياسي العراقي عام 2003 ، لكي يكون العراق تحت هيمنتها الكاملة، حتى وإن نصبت حكاما عراقيين لحكم شؤون بلادها!!

ويؤكد خبراء سياسة أن تعيين سفراء لدولهم لا تمثّل قضية جديرة بالاهتمام بالنسبة لمعظم شعوب العالم، باستثناء العراق، الذي خبِر مواطنوه مدى تأثير سلوك السفراء على أوضاع البلاد الداخلية، وخاصة حين يكون الحديث عن سفراء الدول الأكثر تدخلاً أو تأثيرًا في الشأن العراقي، كالولايات المتحدة وإيران، وربما حتى بعض دول الخليج والسعودية.

رومانوسكي ..وإسرائيل ..وتشجيع محاولات التطبيع

درست ألينا رومانوسكي وتولت مهام رسمية لصالح بلادها في تل أبيب، لكنها تفضل تقديم نفسها بوصفها الحائزة على شهادة الماجستير من قسم إدارة الأعمال في جامعة شيكاغو، وهناك تكتم واضح حول دراستها في جامعة تل أبيب ، ومتى درست هناك، وما هي المادة التي درستها، ما يسبب شكوك حول عملها الأمني في إسرائيل.

لكن، كتاب “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية” يرون أن لسفيرة رومانوسكي، مثالا لـ”السياسيين الذين واجهوا عراقيل بسبب مواقفهم غير الصريحة في دعم إسرائيل”.

ويشير الكتاب الذي ألفه أستاذا العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، جون ميرشايمر، والعلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن والت، ونشراه عام 2007، إلى حرمان رومانوسكي عام 2001 من منصب مسؤولة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي خلفا لبروس ريدل، بسبب شكوك ساورت مسؤولي البنتاغون في أنها “لا تدعم الدولة اليهودية بشكل كافٍ”.

وتعليقا على قطار التطبيع مع إسرائيل عام 2021، قالت في تصريح مع صحيفة “الأنباء” الكويتية أن بلادها تؤيد التطبيع بين إسرائيل والدول العربية ، ولكنه في الوقت نفسه ليس بديلا عن السلام الإسرائيلي – الفلسطيني وهذا أمر مهم جدا.. وتابعت: نأمل أن تسهم إسرائيل والدول الأخرى في المنطقة معا في جهد مشترك لبناء الجسور وخلق سبل جديدة للحوار والتبادل، في تحقيق تقدم ملموس في عملية السلام والمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

مواقف رومانوسكي بشأن إيران

في رسالتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بعد ترشيحها لإدارة سفارة الكويت، في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعربت رومانوسكي بشكل واضح عن أولوياتها وطريقة تفكيرها.

وقالت إنه “لابد من زيادة الضغط على إيران وإحتواء أنشطتها الخبيثة عبر وكلائها في جميع أنحاء المنطقة ، خاصة بعد التصعيد الخطير للهجمات على البنية التحتية النفطية في السعودية، إلى جانب زعزعة أمن المنطقة الذي تتسبب به طهران عبر دعم الحوثيين في اليمن ونظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان”.

وكررت ألينا رومانوسكي موقفها المعادي لسياسة إيران بالمنطقة خلال مقابلة لها مع برنامج “ديوان الملأ” الكويتي في 17 أغسطس/ آب 2020، بالقول “نرى أن إيران تمثل خطرا كبيرا على المنطقة، وأنها متورطة بأعمال خبيثة في هذه المنطقة طيلة 40 عاما، وكنا نعمل مع شركائنا ومن ضمنهم الكويتيون ضد أنشطة إيران التي وصفتها بـ “الخبيثة”.

وتابعت: “أخيرا، إنخرط الإيرانيون في محاولات إبطاء وعزل التجارة البحرية في مضيق هرمز والذي يعد ممرا مائيا دوليا يسمح بمرور خمس نفط العالم عبره، هاجموا منشآت نفطية سعودية وعراقية، إنهم يشكلون تهديدا”.

وتؤمن السفيرة الجديدة في العراق بضرورة حشد جهود جميع المتضررين من السياسات الإيرانية، ودفعهم للعمل المشترك، لذا، فقد تعاملت مع الأزمة الخليجية بين دول الرباعي وقطر (2017-2021)، بوصفها “خلافات لا تفيد إلا النظام في إيران”.

وعلى غير عادة غالبية المسؤولين الأميركيين، أوردت رومانوسكي، في رسالتها القصيرة أمام مجلس الشيوخ، اعتراضات صريحة ضد “مستويات حقوق الإنسان في إقليم كردستان العراق”، الذي قالت إنه “يمثل نموذجا للتسامح والتعايش السلمي، لكنه يشهد أيضا تراجعا مقلقا في ملف حرية التعبير.

نفوذ فصائل إيران.. وتوجهات رومانسكي المضادة

في رسالتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بعد ترشيحها لإدارة سفارة الكويت، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعربت رومانوسكي بشكل واضح عن أولوياتها وطريقة تفكيرها، مشيرة الى إنه ” لابدّ من زيادة الضغط على إيران واحتواء أنشطتها الخبيثة عبر وكلائها في جميع أنحاء المنطقة ، خاصة بعد التصعيد الخطير عبر الهجمات على البنية التحتية النفطية في المملكة العربية السعودية، والتهديد الإيراني لحرية الملاحة في أحد أكثر الممرات البحرية أهمية في العالم، إلى جانب زعزعة أمن المنطقة الذي تتسبب به إيران عبر دعم الحوثيين في اليمن ونظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان”.

وتنتمي السفيرة الجديدة إلى الاتجاه الأمريكي الذي يؤمن بضرورة حشد جهود جميع المتضررين من السياسات الإيرانية، ودفعهم للعمل المشترك، ولذا، فقد تعاملت مع الأزمة الخليجية بين دول الرباعي وقطر، بوصفها “خلافات لا تفيد إلا إيران”.

تشير الرؤية التي عبّرت عنها رومانوسكي إلى احتمالية إنهاء عهد من إنكفاء واشنطن بشأن العراق..وإنطلاقًا من تلك الرؤية التي عبّرت عنها رومانوسكي، سيكون مُحتملاً أن تنهي الولايات المتحدة عهدًا من الإنكفاء والنأي بالنفس عن الشأن العراقي الداخلي ، بدأ بوصول الرئيس دونالد ترامب، لتشرع السفيرة الجديدة بلعب دور يوازن الكفّة لمواجهة الدور الإيراني في ملف التحالفات السياسية، خاصةً وأن مشروع التحالف الثلاثي يواصل مواجهة أزمة عددية، تتعلق بحاجته إلى نحو 20 نائبًا ليُطلق جلسة انتخاب الرئيس.

رومانسكي وتكريس الشركة الستراتيجية مع العراق

في رسالتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مطلع آذار/مارس الماضي، تحدثت رومانوسكي بوضوح عن أن “الشراكة الاستراتيجية مع العراق ستبقى أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية”، وأنّ العراق “حجر زاوية في المنطقة”. كما تحدثت عن “لقاءات” تنوي عقدها مع “المجتمعات العراقية الأكثر ضعفًا”، غير أنها لم تأتِ على ذكر صريح للدور الإيراني، في رسالة ترشيحها خلال إدارة بايدن، على عكس رسالتها عند ترشيحها في عهد ترامب.

في الشأن الثقافي، قالت إنّها ستعمل على تشجيع التبادل التعليمي بين البلدين، وبينما تحدثت في رسالتها قبل تولي منصب السفيرة في الكويت، عن 12 ألف مُبتعث كويتي إلى الولايات المتحدة، فإنّها لم تحدد في رسالتها الأخيرة عددًا للمُبتعثين العراقيين، واكتفت بالتأكيد على أنّها ستعمل لحماية 25 ألف أمريكي قالت إنهم يعيشون ويعملون في العراق، وهو ليس رقمًا متداولاً في السجالات العراقية. وقد سبق أن قالت السفيرة أن الكويت تضم 45 ألف أمريكي يعملون في شتى المجالات.

وأطلقت السفيرة في رسالتها وعودًا بعبارات عمومية حول ضرورة الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد في العراق، لكنها كانت أكثر وضوحًا حين تحدثت عن سعيها إلى دعوة العراق لشراء المزيد من الأرز والقمح الأمريكيين.

رومانسكي.. وتجفيف منابع الارهاب

تواجه رومانوسكي تحديات جمّة في العراق من بينها سياسة سلفيّها وهجمات الميليشيات الموالية لطهران, ستكون أمام تحديات جمّة، من بينها مراجعة سياسة السفراء السابقين مثل دوغلاس سيليمان وماثيو تولر، اللذين يواجهان مع إدارتيهما اتهامات بالتغاضي عن تجفيف منابع تمويل الجماعات المسلحة في العراق، وعدم الجدية في بناء شراكة واضحة مع العراق تُنتج استثمارات يلمسها العراقيون في مدنهم المصنفة على قائمة الأسوأ للعيش، لاسيما في مجالات إنتاج الكهرباء، وافتتاح وكالات للشركات الأمريكية العالمية، وقطاعات الزراعة والري والصناعة.

سيرة حياة رومانوسكي

رومانوسكي، التي هي من مواليد 1955، محاطة بأجواء العسكر، فقد عمل والدها وزوجها وابنها الأصغر في الجيش الأمريكي، فضلاً عن توليها شخصيًا مهام متعددة في وزارة الدفاع الأمريكية.

حازت الينا رومانوسكي جوائز مهمة لخدمتها في الحكومة الأمريكية منها العديد من جوائز وزارة الخارجية وجائزة الأداء الإستثنائي لوكالة المخابرات المركزية.

رومانوسكي تنتمي إلى عائلة متعددة الثقافات، جاء والدها من بولندا إلى الولايات المتحدة، فيما تنحدر والدتها من كندا، ويبدو أن أصول والدة السفيرة، وعملها في تدريس الفرنسية، لعبا دورا في إتقان رومانوسكي للغة التي ينطق بها أكثر من 13 بالمئة من الشعب الكندي.

عندما كانت طالبة في جامعة شيكاغو، أجرت رومانوفسكي مقابلة في الحرم الجامعي مع وكالة المخابرات المركزية، وبدأ حياتها المهنية في الحكومة الأمريكية.

قضت ألينا رومانوسكي أربعين عاماً في مناصب الخدمة العامة الأمريكية، وتركز جزء كبير منها في الشرق الأدنى وجنوب آسيا. عملت في وكالة المخابرات المركزية كمحلل استخباراتي في منطقة الشرق الأدنى وجنوب آسيا لعشر سنوات. كانت مدير مكتب الشرق الأدنى وجنوب آسيا بالمخابرات المركية، والمدير القطري لإسرائيل. شغلت رومانوفسكي منصب المدير المؤسس لمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني، وكذلك نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مكتب وزير الدفاع.

في عام 2003، انضمت إلى وزارة الخارجية لتأسيس مكتب مبادرة الشراكة الشرق أوسطية وعملت كأول مدير له. كما شغلت منصب نائب مساعد وزير في مكتب التعليم والشؤون الثقافية ونائب مساعد الأمين في مكتب شؤون الشرق الأدنى.

من 2011 حتى 2015، عملت رومانوفسكي في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كنائب مساعد مدير مكتب الشرق الأوسط. في مارس 2015، أصبحت منسقة المساعدة الأمريكية لأوروبا وأوراسيا بمكتب وزارة الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية، وأشرفت على جميع المساعدات الفدرالية الأمريكية لثلاثين دولة في أوروبا وأوراسيا، بما في ذلك آسيا الوسطى.

عام 2017، أصبحت رومانوفسكي نائبة المنسق الرئيسي لمكافحة الإرهاب ، بعد أن كانت نائبة مؤقتة.

حصلت السفيرة رومانوسكي على عدة جوائز تقديرية منها جائزة الرتبة المتميزة الرئاسية للخدمة التنفيذية العليا، جائزتان رئاسيتان تقديريتان للخدمة التنفيذية العليا والعديد من جوائز وزارة الخارجية للرتبة العليا، إثنتين من جوائز وزير الدفاع التقديرية للخدمة المدنية ؛ وجائزة الأداء الإستثنائي لوكالة المخابرات المركزية.

خلاصة تقدير الموقف

وما نستطيع التوصل اليه في نهاية هذا العرض والبحث المعمق ، أن السفيرة الأمريكية (الينا رومانسكي) هي الشخصية الدبلوماسية الأمريكية الأكثر حضورا وكفاءة ، في المشهد السياسي العراقي ، وهي من إستطاعت أن تفرض حضورها شبه اليومي على معظم قادة العملية السياسية في العراق ، وهي من تلتقي أغلب الوزارات وكبار شخصيات الدولة والبرلمان، وكانت لقاءاتها مع رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ومع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وبقية الرئاسات ، ومع لجان مهمة في الدولة والبرلمان ، شبه يومية ، وتلتقي حتى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فايق زيدان ومسؤولين أمنيين رفيعي المستوى ، وهي من توصل الرسائل التي تود إيصالها لصناع القرار، وهم ليس بمقدورهم إلا الإستماع لوجهات نظرها ، والرسائل التي تود إيصالها للساسة العراقيين ، التي تكاد تكون شبه يومية، وهي الحاضرة الأقوى في المشهد السياسي العراقي، وكانها ملكة تدير كفة السلطة بدهاء وحنكة، لم يكن بمقدور أغلب سفراء أمريكا السابقين أن يكونوا على تلك الشاكلة من فرض وجهات نظرها، والقدرة على التاثير في القرار السياسي العراقي ، وهي من تتحكم الآن بالمشهد السياسي العراقي وعلاقاته مع الدول الأقليمية، من وجهة نظر أغلب المتابعين للشأن العراقي!! كما وضعت رومانوسكي كثيرا من الحلول في الجانب النقدي والمالي في العراق مؤخرا، وإستطاعت تقليص تهريب الأموال الى إيران ودول أخرى وهي بعشرات المليارات من الدولارات.. وأحكمت قبضتها على البنك المركزي العراقي .. عبر نظام نقدي دقيق للغاية ، لايسمح بتهريب الأموال ، وبخاصة الدولار، بأي حال من الأحوال، وقيدت نظام البورصة بتعليمات مشددة.. وأسهمت في حل أزمات بين قوى سياسية وبين بغداد واربيل.. ولها دور كبير في توسيع علاقات العراق مع الدول العربية والخليجية منها على وجه الخصوص ، ودعت الى تفهم وجهات العراقية المعارضة التي هي الآن خارج السلطة ، والاهتمام بالحركات الناشئة ودعمها، وتسعى للمشاركة في حكم بلادها ، كما تتهم رومانوسكي بأن أحد أهدافها المهمة في العراق أن يكون هناك (تطبيع عربي عراقي ) مع الدولة العبرية ، وهي تعمل جاهدة لتحويلها الى حقيقة في يوم من الايام.