تجنيد رقمي وعالم متغير.. «المؤثرون» وثقافة الإلغاء

تجنيد رقمي وعالم متغير.. «المؤثرون» وثقافة الإلغاء
تجنيد رقمي وعالم متغير.. «المؤثرون» وثقافة الإلغاء
كتب: منتصر صباح الحسناوي
تتسارع التطورات التكنولوجية بشكلٍ غير متوقع بالنسبة لنا على أقل تقدير، وهو ما سيجعلنا نتعامل قريباً مع شخصيات تبدو مألوفة “وجوه باسمة” تتحدث معنا بحماسٍ عما نريد أو يجول بخاطرنا عن آخر صيحات الموضة أو تدافع عن قضية اجتماعية، هي ليست بشرية على الإطلاق. إنها شخصيات افتراضية صُممت باستخدام الذكاء الاصطناعي، لتبدو وكأنها جزء لا يتجزأ من عالمنا الرقمي.
ومع بروز “ثقافة الإلغاء” الحرب الخفية فهل يمكن أن يصبح هؤلاء المؤثرون أدوات في أيدي أجندات اقتصادية أو سياسية؟
بدأت فكرة المؤثرين الافتراضيين من رغبة المبرمجين والمسوّقين في صناعة شخصيات رقمية قادرة على التأثير كما يفعل البشر، هذه الشخصيات تتمتع بملامح مثالية وسلوكيات محسوبة بدقة.
تخيل مثلاً مؤثرة افتراضية تدعى “لينا”، تُعرف بدفاعها عن حقوق الحيوان وترويجها للمنتجات النباتية، على الرغم من كونها مجرد أكواد برمجية، فإنها تتحدث وتتصرف وكأنها إنسانة من لحم ودم.
وراء كل مؤثر افتراضي فريق عمل متكامل يتم التحكم بكل تفصيلة في الشخصية الافتراضية: المظهر، طريقة الكلام، وحتى المواقف التي تتبناها، ولكن مع هذه السيطرة الكاملة، يصبح من السهل جداً توجيه هذه الشخصيات لتحقيق أهداف محددة.
قد يتم تصميم مؤثر افتراضي ليكون صوتاً داعماً لشركة معينة أو حملة سياسية، دون أن يدرك الجمهور أن كل ما يراه هو مجرد دعاية مخفية.
في عصر الإنترنت برزت “ثقافة الإلغاء” لتكون سيفاً ذا حدين، المؤثرون الحقيقيون يتعرضون أو يساهمون في الإلغاء، والذي ينتج عنه تأثيرات تتجاوز الفعل ذاته لصعوبة التعامل مع المجتمع المتلقي، لكن ماذا عن المؤثرين الافتراضيين؟
إذا تعرضوا للنقد، فإن الحل بسيط: إعادة برمجتهم أو تعديل سلوكياتهم. هذا يمنحهم حصانة نسبية، ولكن يجعلهم أيضاً عرضة للتلاعب.
بعض المؤثرين الافتراضيين قد يصبحون أدوات لترويج أجندات اقتصادية أو سياسية.
تخيل مؤثراً افتراضياً يدعو إلى تبني سياسات بيئية معينة، ولكنه في الحقيقة مدفوع من قبل شركات تسعى لتحسين صورتها أمام الجمهور. أو مؤثر افتراضي يتبنى مواقف سياسية تهدف إلى توجيه الرأي العام لصالح جهة معينة.
إن تجنيد المؤثرين الافتراضيين لهذه الأغراض يَّجعلهم أكثر خطورة من المؤثرين الحقيقيين، فهم لا يعانون من أزمات ضمير، ولا يمكنهم التمرد على من يتحكم بهم.

كل ما يتطلبه الأمر هو ضغطة زر لتغيير رسالتهم.
إحدى أبرز ميزات المؤثرين الافتراضيين هي المرونة الهائلة، إذا تم إلغاؤهم، يمكن إعادة تصميمهم في غضون دقائق، هذه المرونة تجعلهم أدوات مثالية في أيدي الشركات والمؤسسات التي تسعى للبقاء في مأمن من الهجمات الرقمية، ومع تزايد اعتماد الشركات والحملات السياسية على المؤثرين الافتراضيين، تبرز تساؤلات أخلاقية معقدة.
هل من الأخلاقي استخدام شخصيات غير حقيقية للترويج لأفكار أو منتجات دون إبلاغ الجمهور؟
وكيف يمكن حماية الجمهور من التلاعب إذا لم يكن يدرك أن المؤثر الذي يتابعه ليس سوى شخصية مصطنعة؟
المستقبل يحمل في طياته مزيداً من المؤثرين الافتراضيين الذين سيكونون جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الرقمية ومع ذلك يجب أن نكون أكثر وعياً بما وراء الكواليس، ويجب على المتابعين أن يتعلموا كيفية التمييز بين الشخصيات الحقيقية والمصطنعة، وأن يطرحوا الأسئلة حول نوايا من يقف وراء تلك الشخصيات.
المؤثرون الافتراضيون هم نتاج طموح إنساني لخلق عوالم جديدة ومثيرة، لكن مع قوتهم المتزايدة، يأتي خطر التلاعب سواء كانوا أداة للترفيه أو وسيلة للتأثير، يجب التعامل معهم بحذر ووعي لضمان أن تظل عوالمنا الرقمية مكاناً امناً نسبياً وفيها من الشفافية والصدق ما يمكن التعامل معه، وليس مجرد ساحة للتلاعب الخفي.