صناعة “الرئيس”: كيف تتحول الشخصية السياسية إلى منتج إعلامي؟
صناعة “الرئيس”: كيف تتحول الشخصية السياسية إلى منتج إعلامي؟
بين تضخيم الألقاب وإنفاق الملايين… يتوارى البرنامج خلف الصورة، وتُصنع الزعامة من فتات التمويل وتضليل الجمهور
كتبت : د. دعاء يوسف.
قبل أن تنطلق الحملات الانتخابية رسميًا، بدأت ترتفع حمى التحضير بين من يطمحون للوصول إلى “الكرسي”، ليس من خلال البرامج أو الأفكار، بل عبر تضخيم الألقاب وتلميع الصورة وتسويق الاسم.
“الرئيس”، “القائد”، “الشيخ”، “الزعيم”، “الدكتور”، “الحجي”، كلها ألقاب تسبق المرشح، وتُرسم بعناية، حتى قبل أن يعرفه الشارع أو يسمع بصوته.
لم يعد المهم ماذا سيقدّم المرشح، بل كيف سيظهر.
وفي سباق النفوذ، يتحوّل الاسم إلى “ماركة سياسية”، وتبدأ معركة غير معلنة:
من يملك لقبًا أثقل؟
من ينشر أكثر؟
من يدفع أكثر للسوشال ميديا؟
من يُروَّج له في القنوات؟
ومن تُخطَّط له حملة “اللافتات” الأضخم لاحقًا؟
فكرة تضخيم الشخصية السياسية تحوّلت إلى مشروع استثماري، يُصرف عليه الملايين. صورة واحدة تُنشر بميزانية إعلان، ولقب واحد يُبنَى عليه “هالة وهمية” تُباع للناس على أنها زعامة.
آراء من الشارع:
المهندس “م.أ” – موظف في قطاع حكومي
> “كلشي محسوب. اللقب، اللبس، طريقة الكلام، عدد الصور، تنسيق الألوان، وحتى الخلفية وراءه بالصورة. هذا مو مرشح، هذا مشروع تسويقي كامل. صرنا ننتخب دعاية، مو إنسان.”
الصيدلي “ر.ع” – يعمل في قطاع خاص
> “أغلب الناس ما يعرفون شنو برنامج هذا اللي يسموه الزعيم. بس يحفظون صورته، لأن طابعه بكل صفحة، وممول منشوراته بكل مكان. هذا مو ترشيح، هذا إعلان تجاري.”
الإداري “ك.س” – موظف حكومي
> “إذا كلهم رؤساء، فإحنا شنو؟ تابعين للزعامات؟ أكو واحد ما عنده حتى مكتب ويكول رئيس مكتب سياسي! صارت الألقاب لعبة يوزعونها على بعض.”
العسكري المتقاعد “ع.ك”
> “كان القائد يُعرف بأفعاله. اليوم القائد يُصنع بالإعلانات. كل ما زاد التمويل، كبر اللقب، وكبرت الصورة. بس بالحقيقة، هذا الحجم الوهمي يختفي أول يوم بعد الانتخابات.”
الطالب “ي.م” – إعلام

> “الشخصية السياسية صارت مثل البراند. تنباع مثل السلعة. عنده تمويل، يشتري اسم وصورة وتفاعل. بس وين البرنامج؟ وين الخطاب؟”
—
المال هو المايكرفون
من يدفع أكثر، يُسمَع أكثر.
من يموّل أكثر، يُصدَّق أكثر.
هكذا تُصنع صورة “الرئيس” في مشهد سياسي مثقل بالبطالة، الفقر، وسخط الناس.
ملايين تُصرف على حملات تلميع، في وقت يعاني فيه البلد من أزمة خدمات ومشاريع متوقفة، لكنّ المرشح يختار أن يلمّع صورته، لا أن يقدّم مشروعاً يلمّع به مستقبل ناخبيه.
هذا ليس ترشيحًا… إنها صناعة ناعمة لمنتج إعلامي اسمه “المرشح”.
منتج يتموّل، يُسوَّق، يُدَعَم، ثم يُحمّل للناس كأنه خيار.
لكن الحقيقة أن الناس لا تختار “الرئيس”… بل تختار ما تم تسويقه على أنه الرئيس.
ويبقى السؤال معلقًا حتى إشعار آخر: رئيس على منو؟ وعلى شنو؟







