رؤية مسرور بارزاني لمستقبل الشراكة في العراق

رؤية مسرور بارزاني لمستقبل الشراكة في العراق
رؤية مسرور بارزاني لمستقبل الشراكة في العراق
كتب: مهند محمود شوقي
منذ تأسيسه في منتصف القرن العشرين، شكّل الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة الراحل مصطفى بارزاني الركيزة الأساسية للنضال الكوردي من أجل تثبيت الحقوق القومية والدستورية لشعب كوردستان داخل العراق. لم يكن هذا النضال يوماً سعياً للانفصال، بل سبيلاً لإرساء العدالة والشراكة ضمن دولة اتحادية ديمقراطية تحفظ للجميع كرامتهم ومكانتهم. واليوم، بعد أكثر من سبعة عقود من التحديات، يؤكد مسرور بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، أن الحزب ما زال ثابتاً على مبادئه، وأن قوته تمثل الضمانة الحقيقية لقوة الإقليم واستقراره ومكانته ضمن العراق الفيدرالي.
في كلمته أمام مرشحي الحزب لانتخابات مجلس النواب العراقي تحدث بارزاني بلغة الواثق من المسار، مؤكداً أن الدستور العراقي الذي أُقر عام 2005 هو الركيزة التي يجب أن تُبنى عليها العلاقة بين أربيل وبغداد. فذلك الدستور، كما قال، لم يُكتب ليُعلّق، بل ليُنفذ. لم يكن منحة من أحد، بل ثمرة توافق وطني بعد سقوط النظام الاستبدادي عام 2003، وقد نصّ بوضوح على أن العراق دولة اتحادية، وأن إقليم كوردستان يتمتع بوضع قانوني خاص وصلاحيات تشريعية وتنفيذية واضحة. لكن المأساة، كما يصفها بارزاني، أن من أقسموا على احترام الدستور هم أول من عطلوه، وأن بعض القوى المركزية ما زالت تتعامل بعقلية الوصاية لا الشراكة، وكأن العراق عاد إلى ما قبل الفيدرالية.
يرى بارزاني أن قوة الحزب الديمقراطي الكوردستاني هي انعكاس لقوة كوردستان، وأن هذه القوة لا تُقاس بعدد المقاعد أو النفوذ، بل بقدرة الحزب على حماية القيم التي قامت عليها تجربة الإقليم. فمنذ انتفاضة 1991 وحتى معارك الدفاع ضد داعش في 2014، ظل الحزب حارساً لكيان كوردستان وكرامة شعبها. لذلك فإن أي مساس بالإقليم أو بمحاوره الدستورية يعني، في جوهره، ضرب استقرار العراق نفسه، لأن التجربة الكوردستانية أثبتت أن الفيدرالية ليست انقساماً، بل توازناً وعدالة في توزيع السلطة والثروة.

وفي هذا الإطار، يؤكد مسرور بارزاني أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني لا يدافع عن الكورد وحدهم، بل عن جميع مكونات العراق التي تؤمن بالديمقراطية والاتحاد الطوعي. فالإقليم، كما يقول، لم يكن عبئاً على الدولة العراقية، بل عاملاً في صون وحدتها. ومن دون الإقرار بحقوق كوردستان واحترام إرادتها السياسية، لن يتحقق استقرار حقيقي في بغداد ولا في أي مدينة أخرى. لقد مرّ الإقليم منذ عام 2014 بمحاولات متكررة لتهميش دوره، وتعطيل مواده الدستورية، وقطع حصته المالية، ومع ذلك ظل الحزب متمسكاً بخيار الدستور والحوار، لا التصعيد والقطيعة.
خطاب مسرور بارزاني الأخير لم يكن حملة انتخابية بل تذكيراً بالثوابت. لقد تحدث بروح رجل الدولة الذي يدرك أن المسؤولية أوسع من السياسة، وأن الإصرار على المبادئ لا يعني الانغلاق، بل الثقة بالحق. لذلك دعا مرشحي الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى أن يكونوا نموذجاً في النزاهة والمسؤولية، وأن يحملوا معهم تجربة الإقليم الناجحة في الإدارة والتنمية لتكون نموذجاً يمكن أن يحتذي به العراق بأسره.
لقد أثبتت التجربة أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بقيادة الرئيس مسعود بارزاني، تصدى لكل محاولات إضعاف كيان كوردستان، سواء عبر الحصار المالي أو الضغوط السياسية، ونجح في حماية الإقليم من الانهيار في أحلك اللحظات. ومن هذا الإرث، يواصل مسرور بارزاني النهج ذاته، مؤكداً أن كوردستان باقية ضمن العراق ما دام العراق وفياً لدستوره، أما إذا استُخدم الدستور كسلاح سياسي أو تم تجاهله، فإن الخطر لن يطال كوردستان وحدها بل وحدة العراق ذاته.
ما يطرحه بارزاني ليس خطاباً حزبياً بقدر ما هو دعوة وطنية إلى العودة إلى أصل العقد العراقي: دستور واحد، شراكة حقيقية، وعدالة في الحقوق والواجبات. فالثوابت التي يقوم عليها الحزب الديمقراطي الكوردستاني لم تولد في قاعات السياسة، بل نُسجت من دماء المقاتلين وصبر العائلات الكوردية التي آمنت بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بالكرامة. وفي نهاية المطاف، يمكن القول إن رؤية مسرور بارزاني لا تتحدث عن الماضي فقط، بل عن مستقبل العراق نفسه. فحين يكون الدستور محترماً، تكون كوردستان قوية، وحين تكون كوردستان قوية، يبقى العراق موحداً. تلك هي المعادلة التي يدافع عنها الحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ سبعين عاماً، وهي ذاتها التي ستحدد مصير الدولة العراقية في السنوات القادمة: أن لا بقاء للعراق من دون كوردستان، ولا كوردستان من دون دستور عادل يحميها ويحمي الجميع.