المريض في العراق… ضحية صفقات الأطباء مع شركات الدواء

المريض في العراق… ضحية صفقات الأطباء مع شركات الدواء
المريض في العراق… ضحية صفقات الأطباء مع شركات الدواء
/آشور- د. دعاء يوسف ..بين أروقة العيادات وصيدليات العراق، يعيش المريض اليوم في دوامة لا تنتهي، دوامة اسمها “مصلحة الطبيب”. فبدلاً من أن يكون العلاج وصفة علمية دقيقة هدفها شفاء المريض، أصبح في كثير من الأحيان نتاج اتفاقات تجارية بين الطبيب وشركات الأدوية، لتتحول الصحة إلى سوق مفتوح للمكاسب الشخصية.
شركات دوائية… وأطباء تجاريون
المشهد بات مألوفاً: طبيب ينصح مريضه بدواء معين من شركة محددة، ليس لأنه الأفضل من الناحية العلمية، بل لأنه على علاقة مباشرة مع تلك الشركة. كلما ارتفعت مبيعات الدواء، ارتفعت مكاسب الطبيب، سواء على شكل نسبة مالية أو رحلة إلى مؤتمر خارج العراق أو حتى امتيازات خاصة. وعندما ينتقل المريض إلى طبيب آخر، يتفاجأ بأن كل ما وصف له سابقاً “غير مجدٍ”، فيرمي الوصفات القديمة ويبدأ بسلسلة جديدة من أدوية لشركة أخرى.
المريض بين مطرقة المصالح وسندان المزاج
هذا التناقض جعل المريض يدور في حلقة مفرغة، يتنقل من دواء إلى آخر ومن شركة إلى أخرى، بلا استقرار علاجي حقيقي. المواطن يكتشف أن اختياره للعلاج لا تحكمه الحاجة الطبية، بل “مزاج الطبيب” ومصلحته التجارية. وفي النهاية، تكون النتيجة إهدار أموال المريض ووقته وصحته، وهو الخاسر الوحيد.

نسب وعمولات… من الدواء إلى المختبرات
المشكلة لا تقف عند حدود شركات الأدوية فقط. فكثير من الأطباء لديهم مصالح مباشرة مع الصيدليات، فيأخذون نسباً من أرباح بيع الوصفات، كما يتقاضون عمولات من مختبرات التحاليل الطبية حين يرسلون المرضى لإجراء فحوصات قد لا تكون ضرورية. الأمر ذاته يتكرر مع مراكز الأشعة والسونار، وحتى في العمليات الجراحية، حيث تُضاف المصالح الشخصية إلى حسابات الطبيب.
تباين الجودة… والحاجة إلى ضمير مهني
صحيح أن الأدوية تختلف بين شركة وأخرى من حيث التركيز والنوعية، لكن المفترض أن يختار الطبيب الدواء الأفضل لحالة المريض، بعيداً عن الضغوط والمصالح. فالمريض ليس ساحة لتجارب الشركات ولا وسيلة لتحقيق أرباح، بل إنسان يبحث عن علاج ينهي معاناته. وهنا يبرز السؤال: لماذا لا يلتزم بعض الأطباء بواجبهم الإنساني والمهني في اختيار الدواء الأنسب، بدلاً من أن تتحكم المصالح الشخصية في قراراتهم الطبية؟
صوت المواطن
الكثير من المرضى يعبرون عن سخطهم. أحدهم يقول: “كل طبيب يكتب دواء مختلف عن الثاني، وأحياناً يلغون كل وصفة سابقة. نشعر أننا مجرد وسيلة لربح الشركات.” فيما تضيف سيدة من بغداد: “أدفع ملايين على أدوية وتحاليل وأشعة، وفي النهاية لا أرى نتيجة. الطبيب هو المستفيد، ونحن ندفع الثمن.”

الخلاصة
ما يجري اليوم هو جرس إنذار خطير: إذا استمرت علاقة الأطباء بشركات الدواء على هذا النحو، فإن الثقة بالطب ستنهار أكثر، وسيبقى المواطن أسيراً لدوامة لا تنتهي من الوصفات التجارية. المطلوب ليس منع الأطباء من المشاركة في المؤتمرات أو تلقي الدعم، بل أن يكون هذا بعيداً عن حسابات المريض، وأن يُعاد الاعتبار للمبدأ الأهم: العلاج حق إنساني، وليس صفقة تجارية.