الشيخ احمد ألوائلي

الشيخ احمد ألوائلي
شخصيات عراقية
الشيخ احمد ألوائلي
إعداد: د . هادي حسن عليوي
ـ حنكة إسلامية.. ثقافة إعلامية.. قدرة على إيصال المعلومة.. بكل سلاسة وواقعية.. خطيب يمتلك الموهبة الشعرية المرهفة.. عالم ديني بارز في المجالس الشعرية ومراكز البحوث.. أكاديمي بارع في تخصصه.. وتأتي الخطابة لتجمع ذلك كله.. وتنظم تلك الملكات جميعها.. عندما يرتقي المنبر الحسيني.
ولادته.. وتسميته:
ـ (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة، ومبشراً برسول من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين).. بهذه الآية الكريمة افتتح الشيخ ألوائلي مسيرة الحياة.. حيث كان والده ينظر إليه.. وهو متفاءل بولادته.. الذي اسماه من القرآن الكريم.. وكان وقعها مطابقاً لمقتضى الحال.. حيث كانت ولادته في 17 ربيع الأول.. ذكرى مولد نبينا محمد (صلى الله عليه وآله).. كان هذا في سنة 1347 الهجرية.
نسبه .. وأسرته:
ـ هو الشيخ أحمد بن الشيخ حسون بن سعيد بن حمود ألليثي ألوائلي.. اشتهرت أسرته في النجف الاشرف بأسرة آل حرج.. وحرج هو اسم الجد الأعلى لها.. وهو أول من نزح من مدينتهم الغراف بلدهم الأصلي الى النجف.. أثر معركة بينه وبين بعض العشائر.
ـ توزعت هذه الأسرة في مواطن سكناها على أماكن متفرقة.. القسم الأكبر منها في موطنهم الأصلي في الغراف.. وقطنت طائفة أخرى في ناحية الحمّار من قضاء سوق الشيوخ.. ويعرفون بآل حطيط .. واستوطن جماعة منهم مدينة الحي.. واشتهروا بآل باش أغا.. بينما استقر بعضهم في الفيصلية.. كذلك في أبي صخير .. وهم يمارسون مهنة الزراعة .. وهذه الأسرة من الأسرة العربية العريقة.. التي امتاز بعض رجالها بالأريحية والنخوة والشهامة.. إضافة إلى بروز بعض الشخصيات العلمية والأدبية.. كالشاعر إبراهيم ألوائلي والدكتور فيصل ألوائلي.. وغيرهم من أعلام الأسرة.
السيرة.. والتكوين:
ـ تميزت البيئة ألنجفية بأنها موئل العلم والأدب.. باعتبارها المركز الحيوي للحوزات العلمية والدراسات الدينية.. لذلك كانت رافداً مهماً في حياة الشيخ أحمد ألوائلي.. حيث انبثق من صميم هذه البيئة المملوءة بالمفكرين والعلماء والخطباء.. حتى أصبح شيخنا يمتاز بهذه الشخصية الثرية بالعلم والأدب والخطابة.. كان قربه من تلك العقول العظيمة.. وفي رحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).. كل ذلك أعطى ذلك الفتى الصغير أجواءً من الولاء.. والإيمان الزاخر بالنشاط العلمي.. والحيوية الدينية ..
ـ كانت خطوته الأولى هو التوجه نحو مكاتب القرآن الكريم.. وتعلم مبادئ القراءة والكتابة ويخزن في عقله الآيات.. وكان عمره حينذاك سبع سنوات.. وكان أول أستاذ يتعلم على يديه هو الشيخ عبد الكريم قفطان الذي أشرف على تعليمه في مسجد الشيخ (علي نوايه).. ثم ولج المدارس الرسمية.. وانتسب لمدرسة الملك غازي الابتدائية.. ثم دخل في مدارس منتدى النشر حتى تخرج منها في العام 1962.. وحصل على البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية.. ثم أكمل الماجستير في جامعة بغداد.. ثم قدم الدكتوراه في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.. حتى نالها بأطروحته المعنونة (استغلال الأجير.. وموقف الإسلام منه).
إسهاماته:
ـ ترجع مكانته الرفيعة في عالم الخطابة والفكر الإسلامي الى ثلاثة عوامل رئيسة هي:
1- انه تتلمذ على يد ثلة من العلماء الكبار.. أبرزهم الشيخ محمد رضا المظفر.
2- نشوءه في بيئة النجف الاشرف المعروفة بثرائها العلمي والأدبي.. فكان أديبا لامعاً.. وشاعراً مرهفاً.. وكاتباً إسلامياً.. وعقائدياً.
3- تحصيله الأكاديمي العالي.. جعله يجمع بين الدراسة الحوزوية والدراسة الجامعية الحديثة.
ـ منذ منتصف القرن الماضي أحتل الدكتور الشيخ أحمد ألوائلي مركز الصدارة في الخطابة الحسينية.. فلم يستطع أن ينافسه فيها منافس.. ولم يتمكن خطباء المنبر الحسيني أن يجاروه في قدراته الخطابية والفكرية والأدبية.. فهو صاحب مدرسة مستقلة خاصة في الخطابة.. وذاك أمر لم يتيسر للكثيرين.. ومدرسته رائدة في منهجها وأسلوبها.. لذلك جاءت متفردة في عطاءاتها وأبعادها.. ولأن مدرسته كانت كذلك.. فقد جاء الخطباء من بعده يسيرون على نهجه ويقتبسون من شعاع مدرسته.. إن مدرسة ألوائلي: هي المدرسة الحسينية التي انطلقت من إصلاحات المصلح الفذ الشيخ محمد رضا المظفر.. كما كان الخطباء الذين جاءوا بعد الشيخ ألوائلي من النتاج نفسه.
ـ بقيً الشيخ ألوائلي يقرأ في مجالس العزاء في عاشوراء.. ويلقي المحاضرات في مختلف المناطق العراقية كبغداد والحلة والنجف والبصرة والناصرية والسماوة..
ـ في العام 1951 دعيً للقراءة في الكويت ثم البحرين.. واستمر حتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي.. حتى طارده النظام السابق في العراق.. حيث مضى الى العاصمة البريطانية.. واخذ هناك يقرأ مآتم العزاء لأهل البيت عليهم السلام.
منهج الشيخ ألوائلي في الخطابة:
ـ إن الإبداع الذي حققه الشيخ ألوائلي في خطاباته غيرً طريقة الخطابة الحسينية.. وفق نمط جديد.. تمثل في افتتاح مجلسه بآية من الذكر الكريم.. ثم يبدأ الحديث عن الآية المفتتح بها مجلسه وتفسيرها والتوسع في مضامينها العقائدية والاجتماعية والأخلاقية.
ـ كانت المجالس الحسينية تبدأ بأبيات شعرية حول مصيبة الحسين وأهله عليهم السلام.. ينطلق منها الخطيب في خطبته.. وبذلك يكون الشيخ ألوائلي قد احدث تطوراً مشهوداً في فن الخطابة.. سار عليه الخطباء الذين جاءوا من بعده.. وقد ألفً الناس هذا النمط من الخطابة.. واعتبروه نمطاً نموذجياً يفوق الطريقة التقليدية.. التي كانت تبدأ بأبيات شعرية بالمناسبة.
مجالسه:
ـ تميزت مجالس الشيخ ألوائلي بحضور النخب الاجتماعية.. من طلبة جامعيين وأساتذة ورجال الأدب والفكر.. وفي العديد من الاستطلاعات الكثير من الحاضرين في مجالسه.. كانت حصيلة تلك الاستطلاعات أنها مفيدة وينتفع منها.. وبعضهم يؤكد إن معلومات جديدة استمعها هنا أو إن تحليلات معاصرة جاء بها ألوائلي.. ولم تكن قبله موجودة أو معروفة.
الحوزة في توجهات ألوائلي:
ـ في دراسة عن اهتمامات الشيخ ألوائلي عن الحوزة تؤكد على انه حقق تفوقاً في كل صنف من صنفي دراسته الأكاديمية والحوزوية.. ففي طفولته المبكرة كانت علامات النبوغ والتفوق واضحة عليه.. ففي السابعة من عمره أكمل القرآن الكريم.. ولاشك إن ذلك ترك أثره الكبير على شخصيته وثقافته وتوجهاته الإسلامية الأصيلة.. وكان الشيخ ألوائلي حريص اشد العلماء.. وهم ليسوا منهم.. وله قصيدة في هذا المجال جاء فيها : وفريق تيمموا عتبة الأسياد في حقل سيد ومسود.. ربضوا حولهم كما كان أهل الكهف فيه بالوصيد.. لفظتهم شتى المجالات .. إذ ذاقت بهم بلاهة وجمود.. فاستراحوا الى التفيؤ بالحوزة أكرم بظلها الممدود.. فترحلوا فطاحلاً في شهور.. واستطالوا هياكلاً من جليد.. واستفادوا وضيرة وسمتهم بشعار في جبهة أو فود.
شعره الوطني:
ـ كان الشعر احد سمات شخصية الشيخ ألوائلي.. عالج في شعره القضايا السياسية والاجتماعية.. لقد وقف ضد المحتل البريطاني للعراق.. مثلما وقف الى جانب ثورات الشعب العراقي.. ومثلما فضح المتزلفين والكيانات السياسية والفكرية.. التي حاولت استيعاب الأمة دون فكر وسياسة حقيقية.. حيث يقو :
ففي (الرميثة) من هامات سمت.. وفي (الشعيبة) من أسلافنا نصب.. و(العارضيات) أمجاد مخلدة.. أضحى يتحدث عنها الدهر والكتب .. فالجو طائر والأرض قنبلة.. وبالجهات البواقي مدفع حرب.. وخضت بحراً.. دماء الصيد ترقده .. وما السفائن إلا الضمد العرب.. ثم انجلت.. وحشود من أحبتنا صرعى على القاع.. تسفي فوقها الترب فدا قوم وكان الغصن منكسراً.. وذاك وجه وكان البدر محتجب.. وتلك أمٌ يلفُ الوجه أضلعها.. على جنين في العراق ترب.. قد افلتً الأمل المنشود.. فهي على جمر من الألم المكبوت تضطرب.. حتى احتضنا أمانينا.. وصار لنا بين الممالك من جاراتنا لقب.. جاء الزعانف من حلف الفضول.. ومن أذنابه فأرنا إننا الذنب.. انحنى بمنجله حصدا وخلفنا.. لا سلة يجتنى فيها لا عنب.

موقفه من الطائفية:
ـ رفض الشيخ ألوائلي الطائفية بكل أشكالها.. وأنتقد الحكام الذين لم يقدموا الإصلاح للبلد والشعب.. لهذا نجده يوجه النقد اللاذع لسلطة عبد السلام محمد عارف في مهرجان الأدباء العرب العام 1965 حيث يقول:- بغداد يومك بجانب.. وبجانب صور على طرفي نقيض تجمعُ.. يطغى النعيم بجانب.. وبجانب يطغى الشقاء.. فمرفه ومضيع في القصر أغنية على شفة الهوى.. والكوخ دمع في المحاجر يلذع.. كبرت مفارقة يمثل دورها باسم العروبة والعروبة.. ارفع فتبيني هذه المهازل واحذري.. من مثلها فوراء ذلك أصبع شدي.. وهزي الليل في جبروته.. وبعهدتي إن الكواكب تطلعُ.
عصر ألوائلي:
ـ برز ألوائلي في فترة زمنية حساسة.. شهدت سيطرة الاتجاهات المادية على الساحة.. وكان المد الشيوعي والقومي لهما تأثير كبير على الثقافة العامة.. مما يعني أن مهمة الخطيب ستكون صعبة في عملية التوعية الجماهيرية.. لكن الدكتور ألوائلي أستطاع بفضل كفاءته ومقدرته العلمية من فرض منهجه وسط المجتمع.. وتمكن من استقطاب الأضواء بدرجة ملفتة للنظر.. وكان منبره مدرسة متحدية تتناول الأفكار المادية بالنقد والتفنيد وفق منهج علمي موضوعي.
ـ لم يمر الشيخ ألوائلي بفترة طويلة من أجل أن يصل إلى القمة الخطابية.. فإن الفاصلة بين انطلاقته وبين تربعه على قمة هرم الخطابة كانت وجيزة جداً.. بحيث يمكن القول أن ألوائلي ظهر منذ بدايته كبيراً.. ثم سرعان ما صار لامعاً.
إنتاجه الفكري:
ـ لاشك أن التأليف فن قائم بذاته.. كفن الخطابة.. وكموهبة الشعر وغيرها من الفنون والمواهب الأخرى.. إلا أن ألوائلي يعتبر خطيباً أفضل منه كاتباً.. وهذه أهم نتاجاته العلمية ومؤلفاته.. التي تناول فيها جوانب مختلفة وطرق أبواباً شتى: هوية التشيع .. نحو تفسير علمي للقران .. من فقه الجنس .. ديوان شعر (جزأين) .. أحكام السجون .. (استغلال الأجير .. وموقف الإسلام منه).

نهاية المطاف:
ـ عاد الشيخ ألوائلي إلى أرض العتبات المقدّسة بعد سقوط نظام صدام.. بعد فراق دام أكثر من عقدين من الزمن.. لينهي بذلك معاناة الغربة والفراق.
ـ كان ألوائلي مصاب بمرض السرطان ثلاث مرات وشفيً منه.. ولم يبقى طويلاً.. حيث توفيً في 14 جمادى الأولى 1424 هجرية المصادف 13 تموز العام 2003.. في مدينة الكاظمية.. وقد أقيم له تشييع مهيب حضره آلاف العراقيين.. كما أقيمت له مجالس الفاتحة في العديد من العواصم العربية والإسلامية.. ودفن بمدينة النجف الاشرف.. إلى جانب الصحابي كميل بن زياد النخعي.