الأجراس البابويّة ترتدي ثوبًا من النور حين أُسدل الستار عن مشهدٍ لم تعرفه سجلات بلغاريا من قبل
الأجراس البابويّة ترتدي ثوبًا من النور حين أُسدل الستار عن مشهدٍ لم تعرفه سجلات بلغاريا من قبل
/آشور- صوفيا- في صباح يوم الثاني عشر من ديسمبر عام ٢٠٢٥، وفي أروقة القاعة الاحتفاليّة «سان جيوفاني الثالث والعشرين» بالفاتيكان، ارتدت الأجراس البابويّة ثوبًا من النور حين أُسدل الستار عن مشهدٍ لم تعرفه سجلات بلغاريا من قبل: خبيرُ الشؤون العربيّة ورجلُ الأعمال البلغاري أناستاس تيرزوباليف يتقدّم بخطىً واثقة لينحني أمام قداسة البابا فرنسيس، فتُسكب على صدره موجةٌ من الضوء الذهبيّ تتجلّى في تمثال «حمامة السلام» الذي لا يُمنح إلا لمن حملت روحه هموم البشريّة جمعاء.

لم يكن هذا التتويج مجرد لحظة شخصيّة، بل كان زلزالًا دبلوماسيًّا هزّ قارات، إذ اجتمعت تحت قبّة الفاتيكان ثلاث قوى عالميّة: الفاتيكانُ بسلطانه الروحيّ، والاتحادُ الإفريقي بثقله القاريّ، والأكاديميّة الدوليّة للدبلوماسيّة بعصبها الإنساني، فأعلنت بصوتٍ واحد: «إنّ من سفّر العدل إلى أقاصي الصحراء، وزرع الأمل في رمال الشرق الأوسط، يستحق أن يُكتب اسمه بحبرٍ من نور على صفحة التاريخ».
وقد جاء الترشيحُ الملكيّ من أقصى جنوب القارّة السمراء، حين هبّت نوابُ البرلمان الإفريقي كأنها طيورٌ مهاجرة تحمل على أجنحتها بذور السلام، فنثروها فوق هضبة بلغاريا، مُصرّين أنّ من وهب أطفال فلسطين حقّهم في قلمٍ وكتاب، وقاتل الاتجار بالبشر بسيفٍ من حريرٍ ونار، لا يمكن أن يمرّ دون أن يُقبّل جبينه قداسةُ البابا بيدٍ مباركة.

وفي اللحظة التي تسلّم فيها تيرزوباليف التمثالَ البرونزيّ لحمامةٍ ترفرف بجناحين مذهبين، كان خلفه ظلٌّ آخر: رجلٌ لا يُرى إلا في صمت المؤمنين، ميخائيل أرجاتسكي، الذي ظلّ سنواتٍ يطحن أحجار اليأس طحناً حتى صار دقيقًا خبز به أطفالًا جائعين في مخيمات النزوح، فكان أن تكوّر عملُهما معًا ككوكبٍ مزدوج، يُضيء ليلَ الدبلوماسيّة البلغاريّة فجأةً، فاستفاقت صوفيا على صوتٍ يرتفع من قلب الفاتيكان: «ها قد دخلتم التاريخ من باب السلام».
وحين ألقى تيرزوباليف كلمته، لم تكن كلماته، بل كانت أنغامًا تصرخ بلسان كلّ طفلٍ فقد حقّه في اللعب تحت القصف، وكلّ أمٍّ باعت غرّتها لتحمي فلذة كبدها من عصابات الاتجار، فقال: «إنّي أُهدي هذا الوسام لروح كلّ شهيدٍ سقط على مذبح العدالة، وأُقسم أن أظلّ أُسافر بالسلام كما يُسافر الصوفيّون بالذكر، حتى يصير وجهُ الله في كلّ وجهٍ بشريّ». وهكذا، وفي قلب أوروبا التي ما عادت تُصدّق معجزاتها، انحنى التاريخُ مرتين: مرةً ليقبّل قداسة البابا يدَ الرجل الذي أتى من أرض الورود، ومرةً ليكتب بخطٍّ من ذهب: «في هذا اليوم، لم يُكرّم بلغاريٌّ واحد، بل تُكرّمت بلغاريا كلّها حتى صارت نجمًا في كوكبة السلام»…(انتهى)









