أمّ الوجود… فاطمة الزهراء (عليها السلام)
أمّ الوجود… فاطمة الزهراء (عليها السلام)
أمّ الوجود… فاطمة الزهراء (عليها السلام)
كتبت: الدكتورة غـــدير ســلام عـــارف/تدريسية في جامعة بغداد
عبر التاريخ، بقيت بعض الشخصيات مصدر أمانٍ روحي للناس مهما تقادم الزمن. ومن بين هذه القامات النورانية، تظلّ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) حاضرة في وجدان المؤمنين كأمٍّ للرحمة، وملاذٍ يلجأ إليه القلب حين تعجز الكلمات.
وليس غريبًا أن يصفها المحبون بـ “أمّ الوجود”؛ فمكانتها ليست مجرد نسب أو تاريخ، بل أثرٌ حيّ يتكرر في كل مرة يقف فيها إنسانٌ على باب الله محتاجًا للعطف والسكينة.
الحاجة إلى فاطمة (عليها السلام) ليست حالة فردية ولا ظرفًا خاصًا، بل هي حاجة إنسانية عامة، تتكرر في حياة كل شخص يمرّ بثقل الأيام.
فالإنسان بطبيعته يفتش عن حضنٍ روحيّ يعيد إليه اتزانه، وعن قلبٍ يسمع صوته قبل أن ينطق، وعن رحمةٍ تُصلح ما يرتّبه الهمّ في داخله.
ولهذا تُرهف القلوب بذكرها، وتغدو كلمات يلجأ بها الناس إلى رحابها، مثل تلك التي تتردّد على ألسنة المؤمنين كنداء جامع لكل المحتاجين:
“نطرق بابك يا فاطمة، لا لضعفٍ فينا، بل لثقة بأنّ عطفكِ عالٍ، وأنّ رحمتكِ تُهديء ما يعصف بالقلب.نلجأ إليكِ يا أمّ الوجود، ليس لأننا منكسرون، بل لأننا نعرف أنكِ تصلحين ما يعجز الإنسان عن إصلاحه وحده.”
هذه الكلمات ليست حكاية شخص، بل صوت كل إنسان يبحث عن ملاذٍ رحيم.
ففاطمة (عليها السلام) تمثل في الوجدان الجمعي الأم التي لا تُثقل على السائل، ولا تردّ صاحب الحاجة، ولا تُغلق أبواب الرحمة أمام قلبٍ جاء يطلب السكينة.

لقد كانت الزهراء نموذجًا فريدًا للمرأة التي تتجاوز شخصها لتكون مصدر قوةٍ للآخرين؛ ترفع الضعيف، وتحنو على المحتاج، وتزرع نورًا في قلب كل من يشعر أن الحياة تثقل خطاه.
ولهذا بقيت مرتبطة بالناس ارتباطًا عميقًا، كلما ضاقت دروبهم، وجدوا في ذكرها طمأنينة، وفي سيرتها درسًا، وفي رحمتها بابًا لا يُغلق.
إنّ استغاثة الناس باسمها لا تأتي من انكسار، بل من إدراكٍ لعمق مقامها؛ فهي روحٌ تربّت على يد نبي الرحمة، وامتلأت بالحكمة والصبر، وصارت بوجودها أمًّا لكل قلب يبحث عن جبرٍ لا يعرفه إلا الله.
وختاماً فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليست مجرد سيرة نتذكرها، بل قيمة إنسانية وروحية تتجدد في حياة كل من يشعر بحاجة إلى نور يثبت خطاه. إنها أمّ الوجود، ليس لأنها أمّ الأئمة فقط، بل لأنها تحتضن حاجة الناس إليها بكرم روحها وعظمة مقامها. وبقي أثرها شاهدًا على أن الرحمة التي حملتها لا تزال تمتدّ إلى اليوم، فتجعل من ذكرها بابًا للطمأنينة، ومن محبتها قوةً تعين الإنسان على مواصلة الطريق.







