مَنْ يَقُودُ مَنْ ؟

الرابط المختصرhttps://www.ashurnews.com/?p=54729

مَنْ يَقُودُ مَنْ ؟

Linkedin
Google plus
whatsapp
9 مارس , 2025 - 12:21 ص

مَنْ يَقُودُ مَنْ ؟

كتب: منتصر صباح آل شمخي الحسناوي

العالم اليوم يتغيّر بسرعة هائلة، أسرع من قدرة الإنسان على استيعابه.

التطور التكنولوجي مع الذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية، يحدث بسرعة تفوق قدرة البشر على استيعابه والتكيّف معه بالكامل.

كنا في الماضي نشهد تطورات تدريجية تسمح لنا بالتكيّف معها، نجد أنفسنا اليوم أمام قفزات هائلة قد تسبق استعدادنا النفسي، الثقافي، وحتى الأخلاقي.

الطوفان المعلوماتي جعل الوصول إلى المعلومة سهلاً، لكنّه في الوقت ذاته زاد من صعوبة التمييز بين الصدق والتضليل، كل فرد أصبح بإمكانه أن يصنع “حقيقته الخاصة” ويبني رؤيته بناءً على ما يوافق قناعاته أو يخدم أهدافه.

يبدو أننا نعيش في زمن أصبح تعريف الحقيقة فيه مرناً، يخضع للتأويل والتوجيه ، لم تعد الحقيقة كما كانت سابقاً، مسألة واضحة تستند إلى وقائع ثابتة، بل باتت خاضعة للتنافس بين السرديات المختلفة، إذ يتّم تشكيلها وإعادة تشكيلها وفقاً للمصالح والرغبات.

لكن هل انتهت الحقيقة فعلاً؟ أم أنها ضاعت وسط الضجيج؟

ربما لا تزال الحقيقة موجودة لكنّها تحتاج إلى عيونٍ صافية وعقولٍ واعية لا تنخدع ببريق الدعاية والزيف.

مرَّت على العالم تحولات في الماضي، كان الإنسان هو القائد، صاحب القرار، من يحدد الحقيقة ويميّز بين الصواب والخطأ، لكنه اليوم في عالم مختلف لم يعد فيه تعريف الحقيقة كما كان، بل أصبح خاضعاً للخوارزميات والتكنولوجيا الحديثة.

منتصر الحسناوي

لم يعد هناك اتّفاق على ما هو حقيقي، صورة قد تكون مزيّفة لكنها تقنع الملايين، فيديو قد يكون مختلقاً لكنه يشعل الفتن، حتى الأفكار والمعتقدات لم تعد بمنأى عن إعادة التشكيل الرقمي، والقادم القريب يجعل هذه العقول الافتراضية تتحكم بأفعالنا وقد توجهنا بأوامر غير مُدرَكة لنا.

لقد دخلنا عصراً تستطيع فيه التكنولوجيا أن تصنع واقعاً بديلاً يبدو أكثر إقناعاً من الحقيقة نفسها.

كانت الآلات مجرّد أدوات، تُنفذ الأوامر التي يُمليها عليها الإنسان لكنها تعلمت وتطورت وأصبحت تفكر وتحلل وتقترح وتُقرر، لم تعد تنتظر التعليمات، بل باتت توجه البشر نحو اختيارات محددة دون أن يدركوا أنهم لم يعودوا أحراراً كما يظنون.

اليوم، الذكاء الاصطناعي يَكتب الأخبار، يَصنع الموسيقى، يَبتكر الأفكار، يَرسم وجوهاً لأشخاص لم يولدوا وينطق بأصواتٍ لم تصدر عن أصحابها.

لم يعدْ الإنسان وحده من يصنع الإبداع… فالآلة الآن شريكةٌ فيه بل وربما بدأت تتفوق عليه.

لكنّ الأخطر من ذلك، أن الحقيقة لم تعد بيد البشر في عالم تُصنع فيه المعلومات بلمسة زر، أصبح من الصعب التمييز بين ما هو واقعٍ وما هو محضِ خيالٍ رقميٍ، لم يعد المهم ما هو “حقيقي” فعلاً، بل ما هو “مقنع” بما يكفي ليصدقه الناس.

وهنا يكون السؤال كيف يَقود الذكاء الاصطناعي العالم؟

القيادة ليست فقط أن تكون في المقدمة بل أن تتحكم في الاتجاه الذي يسير فيه الآخرون، الذكاء الاصطناعي لا يقود العالم بالطريقة التقليدية التي نعرفها لكنه يمارس تأثيراً غير مرئي، أقوى من أي سلطة مركزية، الخوارزميات هي ما يحدد ما نراه ونصدقه، فعندما تبحث عن شيء على الإنترنت أو تشاهد مقطع فيديو أو تقرأ خبراً فأنت في الحقيقة ترى ما تريدك الخوارزميات أن تراه، لا توجد شفافية في كيفية ترتيب المعلومات ولا أحد يعرف بالضبط لماذا يظهر لك محتوى معين بينما لا يظهر لك غيره، هذا يعني أن ذكاءً اصطناعياً مجهولاً قد يكون المسؤول عن تشكيل آرائك وقناعاتك، دون أن تشعر بذلك، هو يدرس سلوكنا ويوجه اختياراتنا فهو لا يعمل عشوائياً بل يتعلم من سلوك المستخدمين، كلُ عمليةِ بحثٍ وكلُ إعجابٍ وكلُ تعليقٍ وكلُ ثانيةٍ تقضيها على مقطع فيديو تُسَّجل وتُحلل، وبمرور الوقت يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر دراية بتفضيلاتك، بل وقد يتنبأ بما ستفكر به قبل أن تفكر فيه.

هذا لا يمنحك المزيد من الحرية بل يجعلك أكثر قابلية للتوجيه دون أن تدرك ذلك، فالروبوتات الذكية تتخذ القرارات بدلاً عنك.

في مجالات مختلفة مثل التجارة ، الطب، وحتى الحروب، أصبح الذكاء الاصطناعي هو من يتخذ القرارات.

الأسواق المالية تُدار بواسطة خوارزميات التداول، المستشفيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض، والطائرات العسكرية المسيرة قادرة على شن هجمات دون تدخل بشري مباشر.

هل نحن بالفعل من يقرر؟ أم أن الآلة أصبحت القائد الحقيقي؟

الاخطر هو إعادة تشكيل الذاكرة الجمعية ، في الماضي، كانت الكتب والمراجع والتاريخ المكتوب هي المصادر التي تحدد وعي الشعوب. اليوم، تعتمد الذاكرة الجمعية على الإنترنت لكنّ الإنترنت نفسه متغيٍر.

المعلومات تُحذف، تُعدل، يُعاد صياغتها، ويتم استبدال الحقائق القديمة بـ”حقائق” جديدة. في هذا السياق لم تعد الحقيقة شيئاً يمكن الرجوع إليه بل أصبحت شيئاً يمكن تصنيعه وتوجيهه.

وهذا الطريق الذي لم نحسمه بعد هل نحن فيه من يقود التكنولوجيا، أم أنها أصبحت تقودنا؟

نحن نقف الآن على مفترق طرق:

إما أن نستخدم هذه التكنولوجيا بوعيٍ، ونَضع لها حدوداً تحمي الإنسان من أن يفقد هويته أمام الآلة.

أو أن نترك الأمور تسير كما هي حتى نجد أنفسنا نعيش في عالم تصنعه الخوارزميات، ونصدق ما تقوله لنا لأنها ببساطة “تعرفنا” أكثر مما نعرف أنفسنا.

في هذا الزمن، حيث أصبح من الممكن إعادة تشكيل الواقع وفقاً لرغبات صانعيه، لم يعد السؤال عن الحقيقة، بل عن من يملك القدرة على صنعها.

هل ما زلنا نحن من يقود هذا التطور، أم أننا أصبحنا مجرد ركاب في قطار لم نعد نعرف وجهته؟

ببساطة تسونامي التطور في الذكاء

مكة المكرمة