جدلية الانتصار …

جدلية الانتصار …
جدلية الانتصار …
كتب: منتصر صباح الحسناوي ٠٠٠٠
بعد توقف اطلاق النار في غزة من المنتصر؟ مفهوم “الانتصار” في الحروب والنزاعات المسلحة، وخاصة في سياق الصراع في غزة، يُثير جدلية معقدة تتجاوز النتائج المادية المباشرة وتتعمق في الأبعاد النفسية، الاجتماعية، والسياسية. فكرة الانتصار لم تعد ثابتة أو مطلقة كما كانت تُفهم في الماضي، إذ يُقاس النجاح بعدد الجنود الذين أُسقطوا أو بالأراضي التي احتُلت أو دُفعت عنها الهجمات، في زمننا هذا تغيرت الحروب وتحولت إلى معارك اكثر تعقيداً ولا سيما بتغير طبيعة الحروب الحديثة وتأثيراتها على المجتمع الدولي، في الماضي كان الانتصار يُعلن بشكل حاسم وكان للأطراف المتنازعة لحظات واضحة تنهي فيها القتال، أما الآن فإن الحروب لا تنتهي أبداً بشكل قاطع بل تتكرر في دورات مستمرة، تحمل كل منها مزيداً من العنف والمعاناة. هذه الطبيعة الدائرية للنزاعات تجعل من الصعب الحديث عن انتصارات حقيقية فبعد كل جولة من التصعيد العسكري في غزة، يتكرر الحديث عن الانتصار والهزيمة، لكن تحديد المنتصر أو المهزوم هو بحد ذاته مسألة جدلية. فمن الجانب المادي يمكن النظر إلى الدمار الهائل الذي تخلفه هذه الحروب: أرواح تُزهق، منازل تُهدم، بنى تحتية تُسحق، واقتصاديات تُنهك. في مثل هذه الظروف، يبدو الانتصار التقليدي وكأنه سراب، حيث تكون تكلفة الحرب عالية جداً على كلا الجانبين ، من فقدان الأمن إلى الجانب الاقتصادي فضلاً عن الدمار والخسائر البشرية ولا سيما في غزة التي تعرضت لحرب ابادة غير متناظرة بكل المقاييس. فهل يمكن لأي طرف أن يدّعي الانتصار حين يكون الثمن بهذا الحجم؟ فكل طرف يدّعي الانتصار لكن الواقع يشير إلى أن الجميع يدفع ثمن الحرب. على الجانب الآخر، يرتبط الانتصار أحياناً بالبعد المعنوي في هذه الحالة، لا يتعلق الأمر بالدمار أو الخسائر البشرية بل بصمود الشعب وقدرته على البقاء والتأقلم مع الظروف.

بالنسبة للفلسطينيين في غزة يُنظر إلى الحفاظ على الإرادة والتشبث بالقضية الوطنية دليل على الانتصار رغم المحن فالمقاومة تُعد في إنجازاً بحد ذاته حتى لو كان الثمن غاليا. لكن هذا المفهوم يفتح باباً آخر للنقاش: هل يمكن للصمود وحده أن يكون كافياً لتسمية “الانتصار”، أم أن غياب التقدم السياسي أو المادي يجعل هذا الصمود مجرد معركة بلا نهاية؟ العامل السياسي يضيف بُعداً آخر لهذه الجدلية، في عالم مليء بالتحالفات المتغيرة والتحولات الجيوسياسية التي شملت المنطقة، قد لا يُقاس الانتصار بالحرب نفسها بل بما يحدث بعدها أي في تمكن أي طرف من كسب دعم دولي أو تعزيز موقفه في المفاوضات فقد يُعد ذلك انتصاراً حتى لو لم يكن ذلك واضحاً في الميدان. وهنا يُعد النجاح في إحراج الخصم دولياً أو لفت الانتباه إلى معاناة الشعب الفلسطيني جزءًا من مفهوم الانتصار السياسي وإن لم يُترجم ذلك إلى تحسينات مادية على الأرض. في النهاية، يبدو أن مفهوم الانتصار في النزاعات المعاصرة قد أصبح نسبياً وغير ملموس ربما يكون من الأجدى الابتعاد عن سؤال “من انتصر؟” والتركيز بدلاً من ذلك على كيفية وقف النزاع وإيجاد حلول تعالج الجذور العميقة للأزمة. الانتصار الحقيقي في نهاية المطاف ليس ما يتحقق في ساحات المعركة، بل في السلام الذي يضمن الكرامة والعدالة . رحم الله الشهداء الذين الذين ارتوت بدمائهم الارض لتكون رمزاً للبطولة ومثالاً للصمود ، ويارب يكون قادم الايام نصراً للسلام.(انتهى)