ألغاز وجلسة سمر في أجواء الضيافة الإماراتية أشجان الموروث وألحان المنكوس وأغراضه في الحلقة الثالثة من كواليس المنكوس
أبوظبي – آشور)..كان متابعو برنامج المنكوس، أمس الأربعاء 20 فبراير، على موعد من خلال شاشة قناتي الإمارات وبينونة، لمتابعة مع أحداث الحلقة الثالثة من برنامج “كواليس المنكوس” المصاحب لبرنامج المنكوس البرنامج الفني الأول من نوعه، والمتخصص بلحن المنكوس من موروث الشعر النبطي الأصيل، والذي تنظّمه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، في إطار حرصها المستمر على التعريف بالموروث الشعبي وتعزيز دوره في بناء الهوية الوطنية.
استعادة عذبة لأحداث كواليس الحلقة الثالثة المباشرة من برنامج المنكوس
وقد بدأت الحلقة بتقديم مقدّم “كواليس المنكوس”، عيسى الكعبي، مستهلاً بسؤال عميق في لحن المنكوس، كان محور الجلسة الحوارية التي تنعقد في مجلس المتسابقين في كواليس المنكوس في كل حلقة منها، وتمحور حول الشروط التي يجب أن تتوفر في مؤدي المنكوس، و”هل أنّ أي فنان يمتلك كل مقومات الصوت والنفَس يستطيع أن يؤدي المنكوس؟”، بحكم أن لحن المنكوس يعتمد على الصوت والنفس الطويل.
تلاه دعوة المشاهدين إلى متابعة تقرير عن مجريات الحلقة الثالثةالمباشرة من برنامج المنكوس والتحضيرات والبروفات التي جرت خلف كواليس الحلقة الممتعة والمتميزة كونها خاتمة الحلقات المباشرة من المرحلة الأولى في البرنامج، والتي شارك فيها فرسان المنكوس بخيت جابر المري، صالح الزهيري، علي محمد آل شقير والوليد عبد الله آل عامر من السعودية، وسالم بن كدح الراشدي وحمدان محمد المنصوري من الإمارات، وكان أبرز ما فيها الغناء المشترك بصوت متسابقي المنكوس العذب لأبيات الشلة من الموروث الشعبي العريق:
” يا كحيل الرنا ماذا الورش من نقش بالذهب خدّك ورش
من جلى بالحلا حسنك ومن علّمك ذا المجانة والشوش”
مجلس المنكوس شلات وأبيات وأشجان من الموروث
وفي قاعة كواليس المنكوس التقى فرسان الحلقة الثانية المباشرة من برنامج المنكوس في أجواء الألفة والمودة والأخوة وتنافسوا في الألعاب التي يتيحها لهم القائمون على البرنامج في مجلس كواليس المنكوس، وهذه المرة كانوا على موعد مع ابتكار جديد وتجربة جديدة في أداء المنكوس على وقع المنافسة في لعبة طاولة البيبي فوت، حيث قام المتسابق صالح الزهيري بالبدء في إنشاد الشلة ليتبعه الزملاء مرددين:
“خاطري داروه ياللي تدارون اليتيم وإن بكت عيني من الدمع لا تنهونها
حالي اللي راحت أشجار وديانه هشيم مبطي ما قد دب الحيا بغصونها”
وما إن يُحققوا الهدف يشرعون في غناء جماعي حماسي بإنشاد الشلة من كلمات سعد بن جدلان:
“فإن تجمعنا على العز والطاعه وأن تفرقنا فجوج الله أوساعِ
من يحط أذنه على كل سماعه جاه فرقاً ما بعدها تجمَاعِ”.
مقوّمات أداء لحن المنكوس وشرط الانتماء إلى البيئة المحلية
وفي مجلس الكواليس، وفي ظل الأبيات الرائعة من كلمات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، “طيّب الله ثراه”
“أنا ما سعدت بطيب وقتي ولا حسيت إلا بوجودك شفت وقتي ولذاته
لك موقـع في داخل القلب به حطيت حبك ملك قلبي تحكم بنبضاته”
في أجواء استلهام المعاني الإنسانية الجميلة لهذه الأبيات، اجتمع الشعراء مندهشين بمفاجأة حمدان محمد المنصوري لهم برغبته في تركهم لولا أنهم تداركوا هذه المفاجأة بأسلوب الفكاهة وحس الدعابة التي ميزت الأجواء الأخوية في كواليس المنكوس، ليبدؤوا بعدها حوارهم الجاد حول مقومات أداء لحن المنكوس وشرط الانتماء إلى البيئة المحلية لإتقان هذا اللحن الجميل من الموروث العريق، مؤكدين أن ليس من السهل على أي فنان يؤدي الشعر إنشاداً وغناءً أن يؤدي المنكوس حتى لو امتلك قوة الصوت وخامته مع طول النفَس، فشرط انتماء المؤدي إلى البيئة البدوية المحلية في الإمارات والجزيرة العربية هو شرط لازم لإتقان المنكوس إلى جانب النطق واللهجة، بخلاف أنماط شعرية ولحنية أخرى شائعة في لبنان والشام وغيرها. كما أشار المتسابقون إلى أهمية الكسرات في المنكوس، فحتى لو كان المؤدي من البيئة الإماراتية والسعودية أو الخليجية بشكل عام فإنه قد لا يتقن المنكوس إلا إذا كان ابن بيئة تنشد المنكوس وتحتضن ألحانه ومعانيه ومفرداته وإيقاعاته، متفقين على أن المنكوس يحتاج ممارسة وتدريباً طويلاً وليس كل البدو يتقنون المنكوس والموهبة كذلك ليست كافيةً، وأنّ المنكوس لا يقع في شعر الحداثة والأفكار الخيالية بل يقع في أغراض الوجدان وأساسيات المنكوس في التوجّد والغزل والفراق والفقد ليختم علي محمد آل شقير مخاطباً سالم بن كدح الراشدي بقوله: “يقع المنكوس في غرضين هما الرثاء أو الفراق”، مستشهداً بالبيت: “أنا مبطيٍ من جرة الصوت بالمنكوس حداني عليه البعد والحزن والفرقا”، ويتبعه المتسابقون بشلة جماعية ” حارس البستان بالله اسقني لي ثلاث ايام على الخط الطويل”.
ضيافة الإمارات وكرم عيال زايد في عزبة سالم بن كدح الراشدي
ومع استعادة سريعة لإطلالة الفنانة أريام في الحلقة الثالثة المباشرة من برنامج المنكوس، انتقل المتسابقون إلى عزبة سالم بن كدح الراشدي تلبيةً لدعوته لهم على العشاء، في بادرة أبرزت قيم الضيافة الإماراتية وحسن الاستقبال والترحيب بالضيف ترجمةً لمقولة “يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل”، وإن استغلها المتسابقون في جلسة سمر وألغاز شعرية وحوار حول ألحان محبوبة من الموروث الشعبي تنوعت بين الشلة والمنكوس وشلة مسحوب السخري التي ينشد منها المتسابقون متتابعين البيت “ألا يا غرو من غيّرك عنا نسيت اللي مضى يا ابن الذين”، كما تحلو جلسة السمر حين ينشد حمدان محمد المنصوري من الإمارات بصوت عذب تشجن له الصحراء ويطرب له السامرون، ليشاركه فيه المتسابقون والحاضرون بأصواتهم الرائعة مختتمين جلسة العزبة الإماراتية وعادات الضيافة الأصيلة بإنشاد:
“سلام الله على ظلم الفراق وقسّوة الأيام عسى ربي يسهلّ لك طريقك وتحيا وتدوم
رح ووجهك بياضه من بياض الصبح ما ينلام وانا من مدّة ايدين البخت يرضيني المقسوم
وش بيدّي وقف حظ الفقير وماتت الأحلام إذا حبّك من أوّل يوم .. وفراقك من أوّل يوم”.
–انتهى–
معلومات إضافية:
تجري منافسات المتسابقين للحصول على لقب “المنكوس” ضمن 8 حلقات تقدم أمام جمهور مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي وتبث على الهواء مباشرة عبر قناتي ” الإمارات وبينونة “، وتتضمن منافسات المشاركين الذين تأهلوا من الحلقات التسجيلية التي تم عرضها سابقاً، وتسير مجريات كل حلقة وفق آلية معينة سيتم الإعلان عنها في الحلقة المباشرة الأولى من البرنامج. ويتبع كل حلقة مباشرة، عرض حلقة تسجيلية بعنوان “كواليس المنكوس”، بواقع 8 حلقات تسجيلية، حيث تتضمن كل منها نشاطات المشاركين في البرنامج، وزياراتهم خلال الأسبوع، بعيدًا عن أجواء المنافسة.
يذكر أن برنامج “المنكوس” قد استقبل أكثر من 300 مشاركاً من عدد من الدول العربية لأداء لحن المنكوس، أحد ألحان وبحور الشعر النبطي، و قد قامت لجنة التحكيم باختيار دقيق وفق معايير وشروط محددة، وقد تم إجراء مقابلات مع لجنة التحكيم استمرت على مدار يومي الجمعة والسبت 14 و15 ديسمبر 2018 في مسرح شاطئ الراحة، حيث تم بث هذه المقابلات ضمن حلقتين تسجيليتين يومي 20 و27 يناير الماضي. ويعتبر “المنكوس” أحد بحور الشعر النبطي الطويلة التي تطرب سامعها وتشده إليها، وذلك من خلال تفعيلته المتميزة عن غيره من بحور الشعر الأخرى، وتفعيلة المنكوس هي من البحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن) مع الالتزام بالقافية في صدر بيت الشعر وعجزه. ويوجد لـ المنكوس عدد من الألحان المتعارف عليها في منطقة الخليج العربي، ولقد قامت لجنة التحكيم باختيار عدد منها لتكون ضمن معايير التقييم في الحلقات المباشرة، بالإضافة إلى عدد من المعايير المهمة والتي تعتمد على جمالية الصوت وقوته وطريقــــة الأداء عبر إتقان اللحن، وطول النفس. وترجع تسمية المنكوس بهذا الاسم إلى طريقة أدائه في الغناء، إذ يبدأ المغني بطبقة صوت مرتفعة تنخفض شيئاً فشيئاً مع الشطر الأول من صدر البيت الشعري لتبلغ أوجها في نهاية هذا الشطر، ثم تعود وتنتكس (تنخفض) بشكل متدرج في الشطر الثاني من البيت. كما أن هناك من يرجع تسمية المنكوس بهذا الاسم إلى حركة طائر الورقاء “أم سالم”، الذي يستدل البدو من حركته هذه على قدوم فصل الصيف، إذ أنّ صوت هذا الطائر وتغريده يزداد كلما ارتقى إلى الأعلى، ثم لا يلبث صوته الشجي أن ينخفض كلما انتكس نازلاً نحو سطح الأرض، كما يطلق على المنكوس اسم طارق أو لحن المنكوس، لأن المؤدي يطرق بصوته مسامع الآخرين أثناء الأداء.